الجمعة، أكتوبر 26، 2012

يوميـ(3)ـات أنثى

يا رب عَوْدَة

     قبل خروجنا إلى الحج بعام رأيتُ فيما يرى النائم أننا قد بنينا مسجدا وأسميناه : مسجد الخليل إبراهيم (عليه السلام) ، وجاء سيدنا إبراهيم بنفسه لافتتاح المسجد ورأيته بوضوح تااااام ، استيقظت من النوم سعيدة وأخبرت أمي وأبي بالرؤيا فاستبشروا خيرا ، ولم نكن نعلم شيئا وقتها عن تفسير الأحلام ، ولكنني بعد أن كبرت وانتشرت برامج وكتب تفسير الأحلام علمتُ أن رؤية نبي الله إبراهيم تأول غالبا بالحج لأنه أول من أدى الفريضة وأُمر أن يُؤذن في الناس بالحج ، وهو ماحدث ... بعد هذه الرؤيا بعام خرجنا مُلبين النداء بفضل الله تعالى .
     لم يكن عاما جيدا على الحجيج من الناحية الأمنية ، فقد تجمع الإيرانييون من أنصار الخميني وتسببوا في حدوث مشاجرات ومواجهات مع قوات الأمن السعودية حتى أنهم اضطروا إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهراتهم والتي لا أعلم حتى يومنا هذا سببا لها ، وقد حرمونا من متعة الصلاة في المسجد الحرام ، حيث أن كل صاحب حملة قد أخلى نفسه من المسئولية ورفض خروج الباصات للذهاب بنا إلى الحرم في أوقات الصلاة ، وقال أن من يخرج من السكن يكون مسئولا عن نفسه .

     وفي يوم الثامن من ذي الحجة – يوم التروية - أحرمنا من جديد وتوجهنا للمبيت في مِنى ، وبعد صلاة الفجر توجهت بنا الباصات إلى جبل الرحمة ... إلى عرفات ، وبدأ الحجاج الرجال في الباص في التناوب على التلبية ونحن نردد من خلفهم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ... حتى الطفلة "رشـا" ذات الأربعة سنوات - ابنة جارتنا - حفظت التلبية وبدأت تُلبي بمفردها في لحظات السكون القصيرة ما بين مُلبٍ وآخر .
     مازلتُ أذكر شكل الخيمة ، وصوت المرأة التي كانت تدعو الله ونردد من خلفها ، أذكر تهافتنا على شراء زجاجات المياه المعدنية وعلب العصير بسبب الحر الشديد لشهر أغسطس ، أذكر رؤيتنا لسحلية بالقرب من الخيمة فخفنا منها ولكن إحدى النساء – أسأل الله لها القَبول – ذكرتنا بأننا لا يجب أن نقتلها أو نؤذيها ونحن حُرُم ، فبدأت بعض النسوة بالدب على الأرض جانب الخيمة بأي شيء صلب حتى نُخيفها فلا تقترب منا .
     واقترب وقت الغروب وبدأ الكل ينشط في الدعاء ، ورأيت الأكف ترتفع عاليا مع أصوات الحجيج راجين الله عز وجل ألا يحل المساء إلا وقد غفر لنا ما تقدم من ذنوبنا ... وأُذّن للمغرب ... وبدأت الأعين تفيض بالدمع من حولي ، تأثرتُ بالمشهد كثيرا وتفاعلت معه باكية حتى أُمرنا أن نتوجه إلى مكان التجمع لنركب الباصات من جديد لنتوجه إلى المزدلفة .
     نفرةُ الحجيج ... مشهد لا تنساه عين ولا يسلاه قلب ، الكل يترك عرفات ظانا بالله خيرا أنه قد غُفر له وعاد كيوم ولدته أمه ، منهم السائر على قدميه ومنهم الراكب ، وفي الباص غلبني النوم فلكزني أبي في ظهري من الخلف ، فنظرتُ إليه مُتعجبة ، فقال لي : ماتناميش دلوقتي ؟
فسألته ببراءة الأطفال : ليه ؟!!!
فأجابني بما ألجم لساني : الملايكة بتزفك دلوقتي وانتي خارجة من عرفات .
يا الله ... تزفنا الملائكة فرحا بنا وبما أنعم الله علينا من رحمة ومغفرة ، ما أجمله من فرح يُنسيكم تعب الطريق واحتياجكم للنوم وشدة الحر والعطش .

     في المُزدلفة ... كانت ليلة جميلة ، الحجيج يسعون لجمع الحصى ، وبدأوا في التواجد على شكل جماعات مُتفرقة لصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا ، ذهب الرجال لجمع الجمرات لنا جميعا وظللنا نحن – النساء – في الباصات ، وعند الفجر بدأنا نتحرك إلى جمرة العقبة الكُبرى ، وهناك رأينا زحاما مُميتا بمعنى الكلمة ، فنزل الرجال لرمي الجمرات عن أنفسهم وعن ذويهم من النساء ، وظللنا نحن في الباصات وتحرك بنا السائق إلى مكان السكن في مكة ليخرج بنا من الزحام ، وعند الظهر بدأ الرجال في العودة ، فوجئنا بأخي وهو حافي القدمين وأبي يرتدي نعلين مُختلفين وكلاهما يسار ، وكان أخي شاحب الوجه فسألته أمي ماذا حدث ، فأخبرنا أنه قد رأى امرأة تموت خنقا بسبب الزحام الشديد حتى أنها ظلت واقفة بعد موتها لأنه لم يكن هناك مجال لسقوطها على الأرض ... نسأل الله لها الرحمة وأن تُبعث يوم القيامة مُلبية .
     قام أبي وأخي باستبدال ثياب الإحرام بالثياب العادية وذهبنا جميعا إلى المسجد الحرام لنطوف طواف الإفاضة ، وبعد الانتهاء من الطواف نظر أبي إلى أمي وهي تجلس لتستريح وقال لها مُبتسما : حمد الله عالسلامة يا حاجة ، ثم ذهب هو وأخي لحلق شعرهما وقامت أمي مرة أخرى بإخراج المقص من حقيبة يدها ، ثم عُدنا إلى مِنى لنبيت بها أيام التشريق .
     يوم الوداع ... آخر أيام الحج ، ذهبنا إلى الكعبة لأداء طواف الوداع ، وكان يوما شديد الرطوبة شديد الحرارة شديد الزحام ، واثناء طوافنا بالكعبة فوجئنا بغيمة سوداء تقف فوق الحرم لتغمرنا برحمة الله في هذا الجو القائظ ، وبدأ الحجيج في التكبير مع أول قطرة مطر تنزل ، ولكن أسوأ ماحدث هو تدافع الناس – من غير الحجيج - من خارج الحرم للدخول إلى صحن الكعبة ، وأتذكر أنني سألت أبي وقتها : هل المطر داخل الكعبة يختلف عن خارج الكعبة ؟!!!!

اللهم ارزقنا الحج والعمرة مرة أخرى ، فأنت تعلم مدى اشتياقي وحنيني ، فلا تحرمني من الصلاة في بيتك الحرام ، ومن السلام على حبيبك المصطفى ، وتقبل منا صالح أعمالنا يا رب ... اللهم آمين

هناك 6 تعليقات:

Unknown يقول...

روعة اليوميات تكمن في واقعية الأحداث و تذكرك لها بتفاصيلها وأسلوبك الروائي من وجهة نظري الشخصية المتواضعة إرتقى ليتناسب مع عظم وجلال ومهابة المشهد ويجعل القارئ كأنما مشاركاً في مشاعر الحج (بالتوفيق يا رب)

إيمان الحسيني يقول...

ربنا يكرمك ويعزك يا محمد ويرزقنا وإياكم حج بيته الحرام
اللهم آمين

غير معرف يقول...

الله يا إيمان
أنا بكيت
ربنا يرزقك بالزيارة مرة تانية و يرزقنا

إيمان الحسيني يقول...

عقبال بكائك مع أول نظرة للكعبة يا نيللي
إحساس تاني خالص :)

logical Hallucination يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

تخيلي في هذه الفترة ابي كانف ي رحلة الحج واتذكر لصعوبة الاتصالات في تلك الفترة ، اتصل علينا ابي لكي يبلغنا انه بخير، ابي كان ممرض وسافر مع البعثة الطبية للحجاج من الكويت ، حيث ضمن وزارة الصحة. رحمه الله وان شاء الله يكتب لنا الزيارة.

إيمان الحسيني يقول...

ما شاء الله
ربنا يكتبها لينا جميعا يا هدى
ويجمعنا بالأحبة في جنات النعيم
اللهم آمين