الأربعاء، نوفمبر 14، 2012

يوميـ(6)ـات أنثى

أسماء وحكايات (2)

     لمن لا يعلم فإن النظام الدراسي في الكويت قديما كان مكونا من اثنتي عشرة سنة كما هو الآن ولكنها كانت مُقسمة إلى : أربع سنوات ابتدائية ، أربع سنوات متوسطة (إعدادية) ، وأربع سنوات ثانوية ، وعلى مدى الأربع سنوات الابتدائية وكما ذكرتُ سابقا كان كل همي أن أُثبت ذاتي في المدرسة لسببين : الأول : لأنني كنتُ أحب التعليم فعلا ، والثاني : لأنال الحصانة التعليمية فلا أُهان ولا أُضرب لمجرد أنني فتاة لأبوين غير مشهورين في الجزيرة !    

     أول صفعة تلقيتها على وجهي من يدٍ غريبة كانت بيد المُدرسة خديجة .. مُدرسة اللغة العربية للصف الأول الابتدائي ، لن أنسى هذا الموقف ماحييت بما فيه من ألم نفسي قبل أن يكون ألم جسدي خاصة وأنه لم يكن هناك سبب لصفعي أنا وفتاتين أخرتين في الفصل !
     ما حدث أن عاملة النظافة دخلت إلى الفصل في آخر حصة لليوم الدراسي لغلق الشبابيك قبل الانصراف ، فقُمتُ أنا والفتاتين الأخرتين بغلق الشبابيك التي نجلس بجانبها بشكل تلقائي جدا ومُعتاد لنا أيضا في نهاية اليوم الدراسي ، وتصادف أن قمنا بهذا الفعل وزميلة لنا تُنشد أحد الأناشيد أمام المُدرسة ، وبعد أن انصرفت عاملة النظافة وانتهت زميلتنا من النشيد قامت المدرسة بالنداء على ثلاثتنا ، وخرجنا للوقوف بجانبها ونحن مُبتسمات لأننا كنا نعلم أن الوقوف أمام الفصل غالبا يكون للتكريم .. وفوجئنا بالصفعات تتوالى علينا نحن الثلاثة ! والسبب : أننا اهتممنا بغلق الشبابيك وزميلتنا تُنشد !
     ظللتُ أبكي في باص المدرسة حتى وصلت إلى المنزل وحكيت لأمي عما حدث ، وانتظرت أمي حتى عاد أبي من العمل وحكت له ما حدث معي وطلبت منه أن يذهب إلى المدرسة غدا ليقابل ناظرة المدرسة ويُعلمها بما حدث لي ، ولكن للأسف .. أبي لم يهتم وتحجج بأنه لن يستطيع أن يستأذن من عمله ليذهب إلى المدرسة ، وانتهى الأمر عند هذا الحد بالنسبة للجميع .. إلا أنا ! ظلت الفكرة مُسيطرة على تفكيري ، فكرة أنني مُهانة بلا سبب ، ولا ظهر لي ليأخذ حقي ! وكان هذا الموقف أول درس واقعي لي وينقسم إلى نقطتين :
أولا : أن ما يُردد في المدارس عن مساعدة الضعفاء أو عمال النظافة والتعامل معهم على أنهم أخوة لنا مُجرد "كلام فارغ" لا وجود له على أرض الواقع .. فتنبهتُ أن ليس كُل ما يُذكر أمامي من مُدرسات الفصل واقعي ، ويجب ألا أنساق وراءهم بالطاعة العمياء .
ثانيا : حقي إذا لم أستطع أن أحصل عليه بنفسي وشخصي فلا داعي أبدا أن ألجأ إلى أي شخص آخر حتى لو كان أبي ! لأن حقي يخصني أنا بمفردي ولا يعني أي شخص آخر .

     أستاذة وفاء مُدرسة اللغة العربية في الصف الرابع الابتدائي وأستاذة نوال مُدرسة الرياضيات في نفس الصف .. تعلمتُ منهما كيفية احترام الذات واحترام الآخرين ، كنتُ قد بدأت في التفوق وبدأت المُدرسات في التعرف علي عندما وصلت للصف الرابع ، كانت هاتان الأستاذتان تعاملنني بشكل خاص أدخل السعادة على قلبي .. حتى أنني في أحد إمتحانات الشهر لمادة الرياضيات قامت ناظرة المدرسة بزيارة الفصل ومتابعة الامتحان بنفسها ، فأنهيتُ الإجابة وقمتُ بتسليم ورقة إجابتي للمُدرسة وعُدت للجلوس على طاولتي ، فقامت المُدرسة بمراجعة الإجابة مع ناظرة المدرسة وبدأ صوتهما يخفت بالحديث عني ، وما استطعتُ سماعه كان تساؤل الناظرة : من أبوها وأين يعمل ؟! .. فسألتني المُدرسة فأجبتها وجلستُ مرة أخرى ، ولكن ناظرة المدرسة كانت تنظر لي بتعجب لأنها لا تعرف أبي !
     وأذكر أن مُدرسة الرياضيات كانت دائما تغضب ما إذا طلبتنا مُدرسة الموسيقى للتدريب حيث أنني كنتُ مشاركة في الفريق الموسيقي للمدرسة ، كان يهمها دائما أن أكون متواجدة في حصتها .. شعرتُ بهذا بالرغم من عدم تصريحها به .
     أما الأستاذة وفاء فكانت دائما ما تتعمد أن تكون درجة اللغة العربية في شهادتي 49/50 ، في نفس الوقت الذي كنتُ أسجل فيه الدرجات النهائية في جميع المواد ! فكنتُ أحاول أن أبذل جُهدا أكبر لأحصل على هذا "الواحد" الذي احترتُ في أمره ! وكأنها كانت تُدربني على مبدأ ألا استكين لما حصلتُ عليه بل ينبغي أن أسعى للأفضل دائما ، وبالفعل في نهاية العام الدراسي حصلتُ على 50/50 في اللغة العربية .

الأستاذة صباح .. كانت المسئولة عن النشاط الصحفي في المدرسة ، وتعلمتُ منها أن يكون لي رأي مُستقل وأن أعبر عنه دائما ، فقد كنا في حصة النشاط المدرسي نذهب إليها كفريق وتقوم بالتحدث معنا عن العدد الجديد لمجلة الحائط المدرسية وكل منا تقول اختياراتها للمواضيع التي ستنشر فيها ، وعندما نستقر على مواضيع مُحددة تُحضر لنا الأستاذة صباح جميع الخامات اللازمة لإخراج مجلة الحائط وتتركنا لنقوم بتصميمها وتلوينها وإخراجها بأيدينا ، ثم نذهب بها لناظرة المدرسة لتقوم بالتوقيع عليها كإشارة للسماح بنشرها .. تعلمتُ القراءة وأحببتها في هذا النشاط كنتيجة لمتابعتي لمجلة ماجد ومجلة البراعم كنموذج راقٍ لمجلات الأطفال الغنية بالمعلومات .

     مازال هناك عامان دراسيان كاملان أمضيتهما في الكويت وهما الصف الأول والثاني المتوسط ، أحداث كثيرة ومواقف وإخفاقات وانتصارات انتهت بأنني تركتُ مدرستي في الكويت للعودة إلى مصر وأنا في القمة ! ولنا عودة بإذن الله تعالى .

ليست هناك تعليقات: