أنا ورمضـ(4)ـان وشوشو

خرجتُ من قسم الشرطة وأنا أدعو الله أن تبتلعني الأرض خجلا من أحمد قريبي وتخلصا من التأثير الشديد لما كنا نشربه ليلة أمس ، وبعد أن أوصلني إلي شقتي شكرته ومددت له يدي لأسلم عليه فنفر مني بشدة ونظر إلي باشمئزاز قائلا : ربنا يهديك .

لم أشعر بنفسي إلا وأنا نائم فوق سريري بملابسي بعد أن تناولت قرصين من مسكنات الصداع ، وعند المساء استيقظتُ مُتحاملا على نفسي حتى أستحم وأغير من رائحتي الكريهة ، وما إن خرجت من الحمام حتى وجدت إبليس اللعين جالسا في انتظاري وعلى وجهه ابتسامة كبيرة فبادرته بالكلام غاضبا :
- ممكن أفهم حضرتك بتبتسم على إيه بالضبط ؟!!!
- أصلي مبسوط منك قوي ومن جرئتك وحماسك ، بتفكرني بنفسي وأنا صغير ... وعلت ضحكة مدوية في أرجاء المنزل .
- جرئتي وحماسي ؟!!! ده أنا كنت هاروح في داهية من تحت راسك ، وكنت ليه !!! مانا روحت خلاص فعلا وزمان البلد كلها عرفت الخبر .
أجابني مُستنكرا : بلد إيه يا عم إللي أنت بتفكر فيها ليل ونهار دي ، دول حبة فلاحين ولا يعرفوا أصلا يعني إيه كمبيوتر أو ملهى ليلي ، يعني لو الكلام وصلهم فعلا هيبقوا مش فاهمين إيه إللي بيتقال أصلا ، بعدين اسمحلي بقى حد من أهل البلد دي هينفعك لما يجي رمضان وتلاقي نفسك قاعد لوحدك كده مُكتئب ومش عارف تعمل حاجة ولا لاقي أصحاب تقعد معاهم ؟
أصابني سؤاله بالحيرة ، فأنا سأمضي شهر رمضان هنا بمفردي وبالفعل أحتاج إلى الأصدقاء ليكون شهر رمضان له مذاق مختلف معهم بدلا من أن أكون وحيدا .
- بص أنا ماعنديش مانع أستعد لشهر رمضان وأجهز نفسي ليه بس مش بالطريقة بتاعتك دي ، أكيد فيه طرق تانية كتير ممكن استعد بيها لشهر رمضان ، فياريت تسيبني في حالي بقى وأنا هاستعدله بمزاجي .
- طب وأسيبك ليه ، أنا هافضل معاك الكام يوم دول وأوعدك إني مش هاقترح عليك أي طرق تانية ، بس عاوز أشوف أنت هتعمل إيه ، مش يمكن تحتاج للنصيحة ؟
- ماشي خليك معايا اليومين دول ، بس لو سمحت بقى أنا إللي هافكر وأخطط ، اتفقنا ؟
نظر إليّ بلؤم شديد وهو يقول : اتفقنا .

كان أول ما بدر إلى ذهني للاستعداد للشهر الفضيل هو أن أبدأ في الصلاة التي قاطعتها منذ فترة طويلة ، فأخرجت ورقة وقلم وبدأت في كتابة أولويات أعمالي وكان على رأسها الصلاة ، وبالطبع كان يجلس إبليس اللعين بجانبي وأنا أكتب هذه الورقة ولكنه كان مُلتزم الصمت تماما حتى قرأ كلمة الصلاة فقال :
- جميل فعلا ، الصلاة مهمة ولازم تحافظ عليها .
نظرتُ إليه مُتعجبا !!! كيف يُشجعني على الصلاة وهو إبليس ؟!!!!
فهم اللعين نظرتي فبادرني بقوله : يعني لا كده عاجب ولا كده عاجب ؟!!!!
- لأ عادي ، بس أصلي استغربت من إنك بتشجعني على الصلاة !!!
- أيوة طبعا لازم أشجعك على الصلاة لإن أمرك يهمني جدا ، وأنا بدأت أحبك فعلا وبقيت عزيز عندي قوي .
- طيب يا سيدي ربنا يديم المعروف .
الله أكبر الله أكبر ... الله أكبر الله أكبر
- أهو العِشا بيأذن أهو قوم اتوضى يلا علشان تصليه .
كنت أشعر بأمر غريب في قرارة نفسي ، لم أكن مُرتاحا لمساندته لي في أمر الصلاة !!! وها هو يطلب مني القيام للتوضأ وصلاة العِشاء أيضا !!! وفي أول الوقت !!!
وبعد توضئي مددت سجادة الصلاة ووقفت مستعدا لتكبيرة الإحرام فلاحظت أن محفظتي غير موجودة في مكانها ، فسألته : هي المحفظة راحت فين ؟!!!
- محفظة إيه ؟
- محفظتي ؟ محفظة الفلوس ؟
- مش عارف ، أنا مامديتش إيدي على أي حاجة هنا ، أنت حطيتها فين أصلا ؟
- أنا دايما بابقى حاطتها جنب جهاز الكمبيوتر !!!
فوجئت به يقول لي بلهجة حانية ناصحة : طب صلي أنت دلوقتي وأنا هادورلك عليها .
- ماشي ... الله أكبر ...
وما إن كبّرتُ للدخول في صلاة حتى بدأ يبحث عن حافظة نقودي في جميع أرجاء الغرفة ، وفي أثناء بحثه كان يُحدث نفسه بصوت مسموع لي :
- طب هو بس حطها فين ؟ طب يمكن يكون حطها في الحمام لما أخد الدوش ؟ طب ماهي ممكن تكون اتنشلت منه امبارح وسط المعمعة ؟ ......
أما أنا فكان هذا حالي أثناء الصلاة : آه صحيح مش يمكن تكون اتنشلت مني امبارح في القسم ؟ ... سمع الله لمن حمده .... أو حتى ممكن تكون وقعت مني ساعة الخناقة لما البوكس جه يلمنا ... الله أكبر .... بس أنا متأكد إني دخلت بيها البيت وحطيتها جنب جهاز الكمبيوتر وحطيت جنبها المفاتيح كمان !!! التحيات لله والصلوات والطيبات .... يبقى أكيد هتكون لسه في جيب البنلطون إللي قلعته ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... السلام عليكم ورحمة الله .

أنهيت صلاتي وأنا أقول له : شوفها كده في جيب البنطلون ؟
فتش اللعين في جيب بنطلوني الذي كنت أرتديه ليلة أمس فوجدها بالفعل : برافو عليك ، أنت افتكرت إزاي إنها في جيب البنطلون ؟
- أسكت ده أنا فضلت طول ما أنا باصلي عمال أفكر في الموضوع ده لحد ما افتكرت ... وأنا باصلي ؟!!!! حرام عليك يا أخي ضعيت مني الصلاة .
فسارعني بالهجوم ليُدعم موقفه : هو كل حاجة أنا السبب فيها ؟ هو أنا إللي كنت قولتلك ماتركزش ولا كنت قولتلك أخرج من الصلاة ودور عليها ؟
فأجبته بغضب : ما أنت كنت عمال تفكر بصوت عالي وأنت بتدور خليتني أركز معاك وأسيب الصلاة .
- بأقولك إيه أنت شكلك كده عمال تتلكك علشان ماتستعدش لرمضان ، وكل ما تعمل حاجة غلط تلزقها فيا أنا علشان تطلع أنت البريء والمجني عليه ، وأنا مش هاسمحلك تعاملني كده تاني ، وابقى شوف هتعمل إيه من غيري بقى ... باي باي .
شعرت بأنني مخطيء في حقه بالفعل : استنى بس هتروح فين ؟
- في داهية ، وأنت مالك ؟
- استنى بس نقعد نتفاهم مع بعض .
هدأ قليلا ولكنه مازال غاضبا فطلبت منه الجلوس وجلس ...
- طب دلوقتي أنا أعمل إيه ؟ أديني حاولت أنتظم في الصلاة أهو ، بس برضه ولا كإني صليت أصلا ، أعمل إيه علشان أركز في الصلاة ؟
نظرتُ إليه وأنا أتساءل فرد مُسرعا : لا ياخويا أنا ماليش دعوة ، أنت نسيت كلامك ولا إيه ؟ مش قولت إنك مش عاوز نصايح مني ؟
نظرتُ للأرض وأنا أقول متلعثما : أيوة فعلا أنا إللي هاخطط وأعمل كل حاجة ، بس أنت كمان عرضت عليا إنك ممكن تديني النصيحة من وقت للتاني .
نظر إليه بنظرة حانية كلها طيبة وقال : علشان تعرف بس إن أنا قلبي طيب وبانسى الإساءة على طول ، ماشي يا سيدي أنا معاك ... أنت إيه مشكلتك دلوقتي ؟
رددتُ مُتحمسا : التركيز في الصلاة ... أعمل إيه علشان أركز في صلاتي ؟
- ممممممممم .... مهم فعلا التركيز في الصلاة ....
ثم صرخ فجأة : لقيتها ...
- إلحقني بيها الله يخليك ...
عاد إلى نظرة اللؤم وهو يقول : إنزل صلي في المسجد .
بهرتني الفكرة وتعجبتُ كيف لم تخطر في بالي !!!
- فعلا ... صلاة الجماعة هي الحل وهي إللي هتخليني أركز في صلاتي … تسلم يا أبو الأفكار الجميلة … من بكرة إن شاء الله الخمس فروض هيكونوا في الجامع .
- خلاص أشوفك بكرة بالليل بقى وأنت بتحكيلي عملت إيه … بااااااي .

يتبـع

إيمان الحسيني