الخميس، نوفمبر 08، 2007

آلام المَخاض

- أحمد .. استيقظ ... أشعر بأنني سألدُ الليلة .
انتفض زوجي واقفا وعلامات الحيرة مُرتسمة على وجهه وكأنه قد نسي ما يجب عليه فعله في هذه اللحظة ، فابتسمتُ في هدوء قائلة له : ارتدي ملابسك وانقلني إلى المستشفى .
ركبنا السيارة وأنا أحاول الخفض من حِدة توتره وفي نفس الوقت أُعاندُ آلامي ...
سرنا في الطريق ليلا ... كان الهواء باردا ... وبالرغم من ذلك كنتُ أتصبب عرقا ...
وكانت السماء تزخ بعض قطرات المطر من وقت لآخر وكأنها تبكي بدلا مني
عُدت برأسي إلى الخلف وعادت معي ذاكرتي .. حاولت استعادة سنواتي الأولى في منزل أبي ...
ولم تُسعفني الذاكرة إلا بمشهدٍ من سن الرابعة ...
- أمل ... ابتعدي عن المزهرية .
مزهرية جميلة الألوان ...
- أمل قُلت لكِ ابتعدي عن المزهرية وإلا تحطمت .
لا أُريد سوى لمس ألوانها الدافئة ...
- أمل .....
والتصق آخر حرف من اسمي بصوت تحطم المزهرية
يومها رأيت الوجه الآخر لكف أبي الحنون الذي اعتاد احتضان وجهي ...
رأيته في هذا اليوم يُذيقني الألم بعد أن أذاقني الدفيء لسنوات أربع ...
وبالرغم من رغبتي الشديدة في الصراخ إلا أنني ظللت صامتة محاولة فهم الألم والدفيء وكيف تواجدا معا في كف أبي ....

- أسرع يا أحمد فقد بدأت نبضات الألم تتسارع .
- لا تقلقي سنصل قريبا ... اهدئي وحاولي ممارسة تمارين التنفس .
تنفستُ الصعداء عندما رأيتُ نتيجتي في الشهادة الإعدادية وقد حصلتُ على مجموع كبير ...
طلبتُ من أمي يومها أن تشتري لي ملابسا تليق بآنسة في المرحلة الثانوية ...
لم أتفهم نظرة الإشفاق التي رأيتها في عينيها وكأنها تحاول إيقاف الزمن لتمنعني من أن أكبر ...
احتضنتي بكل حنان الأمومة وهمست في أذني قائلة : ستظلين دوما طفلتي الصغيرة ، وستجدينني بجانبك كلما احتجتِ إلي .
- آآآه ... كم أتمنى لو كانت أمي معي الآن ... كانت ستخفف عني آلامي ...
- تعلمين أنها لن تستطيع ترك أخيكِ في غربته وهو مريض وبمفرده .
- نعم أخي مريض ... يحتاج إلى أمي بجانبه ...
كما احتجتُ أنا إلى من يقف بجانبي في أول يوم جامعي لي ....
- لا تقلقي ... سأخبركِ بكل شيء عن كليتنا ... المهم أن تكوني مُحبة للدراسة فيها .
- بالتأكيد سأُحبُها .. فقد اخترتها بكامل رغبتي ... واسمحلي أن أسألُكَ عن شعورك الآن وقد أصبحتَ في السنة النهائية ؟ وهل تتذكر أول يوم لك في الكلية ؟
- ثلاث سنوات مرّت من عمري كالبرق وها هي الرابعة تلحق بهم ... فلنذهب إلى الكافيتيريا ...
كافيتيريا الجامعة ... حيث كُتب أول حرف من قصة حبي له ...
- ألم تقل بأنك تُحبني ؟!!!
- نعم أُحبك مثل أختي ولكنني لم أفكر في الارتباط بكِ .
- ولكنك كنت تعلم أنني أُحبك وشجعتني ...
- يجب أن تنضجي يا أمل ... أنتِ هنا في الجامعة ولستِ طالبة الثانوي المراهقة .
- لن أُسامحك أبدا عما سببته لي من آلام ...

- آآآآآآآآآه .... أسرع يا أحمد الألم يشتد ولم أعد أحتمل ..
- ها قد وصلنا ... انتظري حتى أحضر لكِ الكرسي المتحرك ...
وتم إدخالي المستشفى في انتظار اللحظة المناسبة للوضع ...
وفي داخل غرفة العمليات كنتُ أُصارع الموت لأهب طفلي الحياة .. كما صارعتُ من قبل موت مشاعري لأهب كرامتي الحياة ...
تذكرتُ سنوات ألمي الوحيدة وقد ظننتُ أنني قد انتهيتُ كامرأة ...
- دفعة أخرى وسيظهر رأس الوليد ... حاولي الضغط بقوة ...
حاولتُ وحاولتُ أن أنسى جُرحه ...
- ها قد ظهر الرأس ... أريد دفعة أخيرة منكِ .
وما أنساني إياه إلا فرحة جديدة داعبت قلبي ومشاعري ... أحمد ...
- حمداً لله على سلامتك ... قد رُزقتِ بطفلة جميلة ...
- أُريد أن أراها ... أُريد ابنتي ...
ضممتها إلى صدري وأنا أتذكر صدر أمي ...
كنتُ أُريد أن أحميها من نظرات طاقم المستشفى ... خفتُ عليها من الحسد ...
حاولت رُقيتها ولكنني لم أتذكر إلا قول أم مريم البتول : " ِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ..
انتزعوها من بين ضلوعي وتابعتها بنظري حتى اختفت ...
وعُدتُ إلى غرفتي لأجد زوجي الحبيب في لهفة لرؤيتي والاطمئنان علي ...
- أنجبتُ لك ابنة ...
- ما شاء الله ... بالتأكيد هي جميلة مثلكِ ...
- بل أجمل .
- حاولي أن ترتاحي قليلا ... فقد كانت ليلة طويلة ...
نعم طويلة ... بطول حياتي ...
وبعد سويعات أحضروا طفلتي الصغيرة ....
ضممتها مرة أخرى ... وكنتُ كالقطة الشرسة على استعداد للانقضاض على من يحاول إبعادها عني ...
- أي اسم ستُطلقين عليها ؟
- أنت أبوها ومن حقكِ تسميتها !!!
- وأنتِ من صارعتِ بقوة لتكون هنا معنا ...
وأنت يا أحمد من صارعت لتنتشلني من الوحدة والخوف ... فكنتَ فرحة عُمري
نظرتُ إليها مُبتسمة .... حاولتُ تذكر الآلام التي مررتُ بها لأنجبها ... ولكنها لم تكُن إلا كإبرة شاكتني للحظة وولى أثرها ...
- فرحة ... إنها فرحة ...
- فرحة ... اسم جميل ومُفرح ... ولكن لماذا اخترتِ هذا الاسم بالذات ؟!!
- لأنها فرحتي التي أنستني آلام المخاض .

إيمان الحسيني

هناك 14 تعليقًا:

Mohamed Mankola يقول...

قصة اكثر من رائعة

نحن البشر دائما نحب ان نستعيد شريط الذكريات

هل للتامل ...التعلم من الدورس.....المقارنة بين هذا و ذاك......للفرح...للحزن

كل ذلك ممكن لكن المهم الا ننسى اننا نعيش فى الحاضر

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله خير الجزاء أخي الكريم

الذكريات جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان بحلوها ومرها

المهم أن تستمر الحياة بها

a Dreamer with feet on the Floor يقول...

so realistic and so sweet///I think each one of us needs a (labour)...makhad...2 have a new start in life...2 feel that one can B born again...life never stops ,,,but transmited from stage 2 another...

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله كل خير أخي الحالم

وأجمل ما في لحظات المخاض أن تشعر المرأة بالراحة والسعادة في نهايته
فتنسى ما عانته من أجل رؤية طفلها لأول مرة

فعلا ... كلنا بحاجة إلى مخاض جديد نتابع به مسيرة حياتنا

اسكندراني اوي يقول...

جميل
واقعي
رائع
مهما قلت لن اوفيك حقك فيما كتبتي
النقلات خلينا معاكي وانتي في العربيه
وانتي في الكليه
غرفه العمليات

رائع

انتي هنا اقصد بها بطله القصه
وش بيضحك

عصفور المدينة يقول...

بارك الله في قلمك

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله كل خير يا إسكندراني

وكويس إنك نوهت بإنك تقصد بطلة القصة
:D

ربنا يكرمك ويعزك يا رب

إيمان الحسيني يقول...

بارك الله فيك وبك أخي الكريم عصفور المدينة
جزاك الله كل خير

... يقول...

ايمان..قصة اكثر من رائعة لأنك غزلتيها كثوب يضم لحظات المخاض المختلفة في الماضي والحاضر .. جميلة بجد

الطائر الحزين يقول...

جميلة
ابسط الأمور ان تختار الزوجة اسم وليدها
خلافات كثيرة تحدث فى هذه المواقف

بارك الله فيك

إيمان الحسيني يقول...

ربنا يكرمك ويعزك يا حلم

وحياتنا دائما تبدأ بمخاض
ويستمر المخاض إلى أن يشاء الله

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله كل خير أخي الطائر الحزين

فعلا بنشوف مشاكل كتيرة قوي بتحصل لمجرد إن الأب مصمم يحتفظ بحقه في اختيار اسم المولود
ومش بينتبه إلى إن الأم واجهت الموت في سبيل إخراج هذا المولود للحياة

أُكتب بالرصاص يقول...

ياااااه

فكرتيني بالذي مضا

عشت الاحساس دا قبل كدا


أقصد يعني
عشته عن قرب

تسلم إيديكي....

إيمان الحسيني يقول...

:D

جزاك الله كل خير يا اكتب بالرصاص
وربنا يباركلك في أهل بيتك
اللهم آمين