الجمعة، نوفمبر 04، 2011

ذكرياتي فـ(1)ـي الحج



رحلة الحج .... كانت في شهر أغسطس من عام 1987م ، كان عمري إحدى عشر عاما وتسعة شهور .

قدّر الله أن تموت جدتي لأبي في هذا العام وكنا في الكويت أثناء العام الدراسي ، وبسبب خلافات ما بين أبي وعمي – عليه رحمة الله – لم يخبر عمي أبي بخبر الوفاة إلا بعد أسبوعين مما تسبب في غضب أبي بشدة وقرر أن يُسافر إلى مصر ، هدّأت أمي من روعه وأخبرته أن سفره الآن لن يُقدم ولا يؤخر شيء فقد ماتت منذ أسبوعين ودُفنت وانتهى الأمر ، ونصحته بأن يخرج للحج عنها بدلا من سفره إلى مصر ، وافق أبي على هذا الاقتراح لأنه كان الأفضل لجدتي بالفعل فزيارته لقبرها لن تُفيدها شيئا ، وافق أبي على الخروج إلى الحج عن أمه وقرر أن نخرج كلنا للحج معه في هذا العام .

عندما علمتُ بهذا الأمر فرحتُ بشدة ، وبدأت أسأل أبي عن رحلة الحج ومناسكها حيث أنه قد حج عن نفسه من قبل ، وعلمتُ بأنني سأرتدي الحجاب طوال الرحلة ، فقررتُ العودة من الحج وأنا مُرتدية للحجاب .

بدأنا في الاستعداد للرحلة المُباركة ، وبدأت أمي تشتري لي ولأختي الجلاليب الطويلة والعباءة السوداء ، وعلمتني أختي كيف أقوم بارتداء الحجاب لأنها سبقتني في هذا الأمر ، وجاء يوم السفر وركبنا العبارة من جزيرة فيلكا التابعة للكويت - حيث نسكن - إلى مدينة الكويت العاصمة وذهبنا إلى مَقر الحَمْلَة – الشركة المسئولة عن إخراج رحلات الحج والعمرة وغالبا ما تكون عائلة كويتية لها اسمها – وركبنا الباصات ... أتذكر أول شعور راودني وقتها كان الخوف والرغبة في مغادرة الباص فورا ، لا أعرف سببا حقيقيا لهذا الإحساس ولكنني مازلتُ أذكره ، وفي خلال بضع دقائق وعندما بدأت الباصات في التحرك اعتدتُ الأمر وبدأتُ في الإحساس بالارتياح ، خاصة وأنه كان معنا جيران نعرفهم وكانوا مصريين .

المدينة المنورة ... ذهبنا إليها أولا وظللنا بها أسبوعا كاملا ، ذهبنا إلى الفندق وتم تسكيننا في الغرف ، وكنا في الغرفة أنا وأمي وأختي وجارتنا وابنتها الصغيرة "رشـــــا" ذات الأربعة أعوام ، ونزلنا من فورنا لزيارة الحبيب المصطفى ، للأسف لم أستمتع بالزيارة بسبب الزحام الشديد لدرجة أننا كنا نسير في صف ، وكان أبي في المقدمة وأخي في النهاية ، وفجأة ازداد الزحام جدا وكنا وقتها عند الروضة الشريفة ، فصرخت مُستنجدة بأبي : إلحقني يا بابا مش قادرة آخد نفسي .... قام أبي وأخي بمزاحمة الحجيج لإنقاذي أنا وأختي وأمي من أمام الروضة الشريفة ، أدعو الله أن يغفر لنا هذا التصرف لأنه كان إنقاذا لأرواحنا .

حفظنا الطريق من الفندق إلى المسجد النبوي فكنتُ أذهب أنا وأختي بمفردنا في بعض الأوقات التي لا تستطيع أمي النزول فيها ، ولكننا لم نستطع أن نصلي داخل المسجد بسبب الزحام فكنا نكتفي بالصلاة في التوسعات الخارجية التي تعلوها القِباب المتحركة الآن ، وكانت وقتها تحت الإنشاء .

خلال هذا الأسبوع الذي أمضيناه في المدينة لم يفلت حاج واحد من مختلف البلاد والجنسيات من الإصابة بالأنفلوانزا ، وبدأنا في التوافد على المستوصفات والمستشفيات التي كان الكشف فيها والعلاج بالمجان إكراما لحجيج بيت الله الحرام ، وقبل السفر إلى مكة بيوم اجتمع بنا شيخ الحملة ليشرح لنا ما سنفعله عند الإحرام وعند الوصول إلى مكة ، فقد كنا حجاجا مُتمتعين ، أي أننا سنُحرم من الميقات ثم نؤدي العمرة ونحل من إحرامنا حتى يوم التروية نقوم بالإحرام مرة أخرى .

آخر يوم في المدينة المنورة ... دموع تقطر من أعين الجميع ، حتى أنا بالرغم من حداثة سني إلا أنني أحببت جوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم أُرد مفارقته ، وخالطت دموع الرحيل عند أمي دموع الفرحة وهي ترى أخي أحمد يرتدي ملابس الإحرام لأول مرة وقبل أن نُغادر من الفندق إلى الميقات مباشرة ، وعند الميقات توضأنا وصلينا ركعتين في المسجد هناك ونوينا الإحرام وتوجهنا إلى مكة ، تم تسكيننا وإخبارنا بأننا يجب أن نذهب لأداء عمرة القدوم مباشرة .

أول رؤية للكعبة المشرفة ... أصر أبي على الدخول من باب السلام وأكد علينا أن أول رؤية للكعبة دعاؤها مُستجاب ، صدقوني إذا أخبرتكم أنني لا أذكر ماذا كانت دعوتي فقد كنت مبهورة برؤية الكعبة ومدى ضخامتها مقارنة بما نراه على شاشات التليفزيون ، حاولنا البقاء مع بعضنا البعض كأسرة ولكن أمي أفلتت منا واتجهت إلى الكعبة مباشرة وكأن هناك من يُناديها وهي تُجيب نداءه ، فلحق بها أخي حتى لا تكون بمفردها ، وظللتُ أنا وأختي مع أبي ، كنتُ أتمنى الوصول إلى الحجر الأسود ولكنه كان أمرا مُستحيلا خاصة إذا كنتِ أنثى ، وبعد الانتهاء من الطواف أخذنا أبي لصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثم أرانا مدخل النساء لبئر زمزم – كان النزول إليه من داخل صحن الحرم وقتها – وطلب منا النزول والشرب من ماء زمزم والدعاء وإعادة الوضوء أيضا ثم أخذنا للسعي ما بين الصفا والمروة ، وقتها تذكرت أمنا هاجر ، فلم تكن الأرض ممهدة لها ولم يكن هناك سقف يحميها من أشعة الشمس ، ولكنها قطعت سبعة أشواط هرولة ما بين الجبلين خوفا على رضيعها ، رحمها الله وجمعنا بها في جنات النعيم ، فقد كانت امرأة بألف رجل .

في نهاية السعي اجتمعنا مرة أخرى كأسرة وكان معنا جارتنا وابنتها ، وجلس أبي بعيدا مع أخي وزوج جارتنا وابنهما "باسل" ، وبعد أن ارتحنا أخرجت أمي المقص من حقيبتها لنحل من إحرامنا ، وعدنا إلى الفندق واغتسلنا بالتناوب ثم استسلمنا للنوم العميق .

ليست هناك تعليقات: