لبيك اللهم لبيك
رحلة الحج
.... كانت في شهر أغسطس من عام 1987م ، كان عمري إحدى عشر عاما وتسعة شهور .
قدّر الله
أن تموت جدتي لأبي في هذا العام وكنا في الكويت أثناء العام الدراسي ، وبسبب
خلافات ما بين أبي وعمي – عليه رحمة الله – لم يخبر عمي أبي بخبر الوفاة إلا بعد
أسبوعين مما تسبب في غضب أبي بشدة وقرر أن يُسافر إلى مصر ، هدّأت أمي من روعه
وأخبرته أن سفره الآن لن يُقدم ولا يؤخر شيء فقد ماتت منذ أسبوعين ودُفنت وانتهى
الأمر ، ونصحته بأن يخرج للحج عنها بدلا من سفره إلى مصر ، وافق أبي على هذا
الاقتراح لأنه كان الأفضل لجدتي بالفعل فزيارته لقبرها لن تُفيدها شيئا ، وافق أبي
على الخروج إلى الحج عن أمه وقرر أن نخرج كلنا للحج معه في هذا العام .
عندما علمتُ
بهذا الأمر فرحتُ بشدة ، وبدأت أسأل أبي عن رحلة الحج ومناسكها حيث أنه قد حج عن
نفسه من قبل ، وعلمتُ بأنني سأرتدي الحجاب طوال الرحلة ، فقررتُ العودة من الحج
وأنا مُرتدية للحجاب .
بدأنا في
الاستعداد للرحلة المُباركة ، وبدأت أمي تشتري لي ولأختي الجلاليب الطويلة
والعباءة السوداء ، وعلمتني أختي كيف أقوم بارتداء الحجاب لأنها سبقتني في هذا الأمر
، وجاء يوم السفر وركبنا العبارة إلى مدينة الكويت العاصمة وذهبنا إلى مَقر
الحَمْلَة – الشركة المسئولة عن إخراج رحلات الحج والعمرة وغالبا ما تكون عائلة
كويتية لها اسمها – وركبنا الباصات ... أتذكر أول شعور راودني وقتها كان الخوف
والرغبة في مغادرة الباص فورا ، لا أعرف سببا حقيقا لهذا الإحساس ولكنني مازلتُ
أذكره ، وفي خلال بضع دقائق وعندما بدأت الباصات في التحرك اعتدتُ الأمر وبدأتُ في
الإحساس بالارتياح ، خاصة وأنه كان معنا جيران نعرفهم وكانوا مصريين .
المدينة
المنورة ... ذهبنا إليها أولا وظللنا بها أسبوعا كاملا ، ذهبنا إلى الفندق وتم
تسكيننا في الغرف ، وكنا في الغرفة أنا وأمي وأختي وجارتنا وابنتها الصغيرة
"رشـــــا" ذات الأربعة أعوام ، ونزلنا من فورنا لزيارة الحبيب المصطفى
، للأسف لم أستمتع بالزيارة بسبب الزحام الشديد لدرجة أننا كنا نسير في صف ، وكان
أبي في المقدمة وأخي في النهاية ، وفجأة ازداد الزحام جدا وكنا وقتها عند الروضة
الشريفة ، فصرخت مُستنجدة بأبي : إلحقني يا بابا مش قادرة آخد نفسي .... قام أبي
وأخي بمزاحمة الحجيج لإنقاذي أنا وأختي وأمي من أمام الروضة الشريفة ، أدعو الله
أن يغفر لنا هذا التصرف لأنه كان إنقاذا لأرواحنا .
حفظنا
الطريق من الفندق إلى المسجد النبوي فكنتُ أذهب أنا وأختي بمفردنا في بعض الأوقات
التي لا تستطيع أمي النزول فيها ، ولكننا لم نستطع أن نصلي داخل المسجد بسبب
الزحام فكنا نكتفي بالصلاة في التوسعات الخارجية التي تعلوها القِباب المتحركة
الآن ، وكانت وقتها تحت الإنشاء .
خلال هذا
الأسبوع الذي أمضيناه في المدينة لم يفلت حاج واحد من مختلف البلاد والجنسيات من
الإصابة بالأنفلوانزا ، وبدأنا في التوافد على المستوصفات والمستشفيات التي كان
الكشف فيها والعلاج بالمجان إكراما لحجيج بيت الله الحرام ، وقبل السفر إلى مكة
بيوم اجتمع بنا شيخ الحملة ليشرح لنا ما سنفعله عند الإحرام وعند الوصول إلى مكة ،
فقد كنا حجاجا مُتمتعين ، أي أننا سنُحرم من الميقات ثم نؤدي العمرة ونحل من
إحرامنا حتى يوم التروية نقوم بالإحرام مرة أخرى .
آخر يوم في
المدينة المنورة ... دموع تقطر من أعين الجميع ، حتى أنا بالرغم من حداثة سني إلا
أنني أحببت جوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم أُرد مفارقته ، وخالطت دموع
الرحيل عند أمي دموع الفرحة وهي ترى أخي أحمد يرتدي ملابس الإحرام لأول مرة وقبل
أن نُغادر من الفندق إلى الميقات مباشرة ، وعند الميقات توضأنا وصلينا ركعتين في
المسجد هناك ونوينا الإحرام وتوجهنا إلى مكة ، تم تسكيننا وإخبارنا بأننا يجب أن
نذهب لأداء عمرة القدوم مباشرة .
أول رؤية
للكعبة المشرفة ... أصر أبي على الدخول من باب السلام وأكد علينا أن أول رؤية
للكعبة دعاؤها مُستجاب ، صدقوني إذا أخبرتكم أنني لا أذكر ماذا كانت دعوتي فقد كنت
مبهورة برؤية الكعبة ومدى ضخامتها مقارنة بما نراه على شاشات التليفزيون ، حاولنا
البقاء مع بعضنا البعض كأسرة ولكن أمي أفلتت منا واتجهت إلى الكعبة مباشرة وكأن
هناك من يُناديها وهي تُجيب نداءه ، فلحق بها أخي حتى لا تكون بمفردها ، وظللتُ
أنا وأختي مع أبي ، كنتُ أتمنى الوصول إلى الحجر الأسود ولكنه كان أمرا مُستحيلا
خاصة إذا كنتِ أنثى ، وبعد الانتهاء من الطواف أخذنا أبي لصلاة ركعتين عند مقام
إبراهيم ، ثم أرانا مدخل النساء لبئر زمزم – كان النزول إليه من داخل صحن الحرم
وقتها – وطلب منا النزول والشرب من ماء زمزم والدعاء وإعادة الوضوء أيضا ثم أخذنا
للسعي ما بين الصفا والمروة ، وقتها تذكرت أمنا هاجر ، فلم تكن الأرض ممهدة لها
ولم يكن هناك سقفا يحميها من أشعة الشمس ، ولكنها قطعت سبعة أشواط هرولة ما بين
الجبلين خوفا على رضيعها ، رحمها الله وجمعنا بها في جنات النعيم ، فقد كانت امرأة
بألف رجل .
في نهاية
السعي اجتمعنا مرة أخرى كأسرة وكان معنا جارتنا وابنتها ، وجلس أبي بعيدا مع أخي
وزوج جارتنا وابنهما "باسل" ، وبعد أن ارتحنا أخرجت أمي المقص من
حقيبتها لنحل من إحرامنا ، وعدنا إلى الفندق واغتسلنا بالتناوب ثم استسلمنا للنوم
العميق .
هناك 6 تعليقات:
تقبل الله منكم صالح الاعمال ويرزقنا حج بيته
تقبل الله مناكم ومنكم ورزقنا وإياكم زيارة بيته الحرام مرارا وتكرارا اللهم آمين
:)
اللهم ارزقنا الحج إلى بيته
شوقتينى
ربنا يكتبهالنا جمعاء يا نيللي اللهم آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
عدت الى القراءة اليوم... :))سأكمل قاءة المدونة وبدات حيث وقفت الحلقة الثانية....
اللهم ارزقتنا زيارة بيتك الحرام وقبر نيبيك الكريم يا رب...قشعرتي بدني بجد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عود أحمد يا هدى :))
إرسال تعليق