السبت، أكتوبر 13، 2012

ومضـ(8)ـات


من كتاب "السؤال الحائر" للدكتور مصطفى محمود :

* الشريعة لم تنزل لمجلس الوزراء ، ولكنها نزلت إلى كل مسلم ليطبقها في نفسه أولا وفي سلوكه وفي بيته وفي جيرانه وفي عشيرته ، فكل مسلم راعٍ وكل مسلم له دولته الخاصة وله رعيته التي عليه أن يطبق فيها أمر الله أولا قبل أن يتوجه بالأمر لغيره .

* فإقامة شرع الله في دولة النفس هي البداية وهي الشرط الأول الذي بدونه لا تغيير ولا تبديل .

* فالشريعة لم تنزل لنسير بها في مظاهرة هاتفة إلى سراي عابدين دون أن يفكر هذا الذي يهتف ويتظاهر ويحمل اللافتات ويقذف بالطوب ويحرق الأتوبيسات وهو غالبا مخدوع أو عميل لدول كُبرى ودول صغرى وأحزاب تستعمل يده وتستعمل حنجرته وتستعمل الدين لتُثير الانقلابات والفتن ، هذا الذي يرفع عصا الشريعة على الحكومة دون أن يفكر في أن يرفعها على نفسه أولا لن يصل إلى خير ولن يحقق نفعا ، وإذا استطاع أن يحمل الحاكم على تطبيق الشريعة عنوة دون تجاوب من القاعدة ودون هِمّة خاصة من كل فرد على تطبيق هذه الشريعة في نفسه فلن يصل إلى شيء ، ولن يكون التغيير إلا مجرد تغيير ظاهري ووضع لمزيد من الملصقات مثلما فعل النميري في السودان فقطع يد سارق الجنيهات العشرة وأعفى سارق المليون .

* وهؤلاء الناس لا يريدون شريعة بل يريدون أنفسهم حكاما ، إنها شهوة حكم ومطلب سُلطة ، وما اللافتات المرفوعة إلا لافتات تمويه وما الهتافات إلا هتافات تعمية ، والشريعة بريئة من أهواء هذه الطائفة التي خططت لتُعيد فتنة الخوارج فأرادت ن تخرج علينا رافعة المصاحف على أسنة الرماح هاتفة على الحاكم أن يطبق حكم الله ، وكما قال الزميل خالد محمد خالد : لا نجد ردا نرد به عليها أبلغ من رد علي بن أبي طالب : "إنها قولة حق يُراد بها باطل" .

* ونحن في الظرف الذي يسميه الفقهاء "شيوع البلوى" ، تماما كما كان انتشار الخمر في الجاهلية بلوى شائعة ، ولذلك نزلت آيات تحريمها على مكث وتدرج واستغرقت مراحل تحريمها أكثر من اثنتي عشرة سنة ، وكان هذا درسا من الله يعلمنا فيه مرونة التشريع الإلهي ومناسبته لكل الظروف .

* إن الدراسة مطلوبة ، وحُسن الفهم عن الله شرط لتطبيق شريعته .

* ثم إن الشريعة ليست مجرد حدود ، فالعدل شريعة والرحمة شريعة والعلم شريعة والعمل شريعة ، والله أمر بالعلم والعمل في أكثر من ألف موضع ، وأمر بقطع يد السارق في موضع واحد ، وأول الأوامر مُطلقا كان " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" ، وبرغم هذا الأمر الصريح بالقراءة وهو الأمر الذي له أولوية مُطلقة في الإسلام فنحن أمة لا تقرأ ولا تعقل بل نفكر في المظاهرات والهتافات والمسيرات لنطبق الشريعة !

* والإسلام الحق لا مدخل فيه للإكراه والعنف والمظاهرات والمزايدات السياسية بين أحزاب اليمين واليسار ، ولا مكان فيه للهوى والغرض والمتاجرة بالعقول .

* فلنتمهل ولنفكر مرتين ، وليرفع كل منا عصا الشريعة على نفسه أولا وليطبقها في سلوكه وفي بيته وليغير من نفسه ، فإذا غيرنا من أنفسنا فسوف يغير الله ما بنا ، فذلك وعد الله ولن يُخلف الله وعده .

* يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب .. حسّنه الألباني ، أي حاولوا تصفية الخلافات التي تقتضي الحدود فيما بينكم فيعفو الواحد عن الآخر ويأخذ دية ، ولا تبلغوني فإن ما بلغني منها فقد وجب تنفيذه ، يقول الرسول هذا كراهية لتنفيذ الحدود وإيثارا للعفو والتراحم بين المتخاصمين .

* وإذا كانت هذه الخلافات تدل على شيء فإنها تدل على حاجتنا إلى فكر جديد وإلى اجتهاد وإلى أن تكون عندنا فلسفة إسلامية وفكر إسلامي نشط وسماحة خلق وتواضع نفس ، وألا تدعي كل فرقة أنها أصولية وأنها الوحيدة صاحبة الإسلام الكامل وصاحبة القول الفصل ، وإنما يستمع كل فريق إلى الآخر في رحابة صدر دون أن يطلق الرصاص ودون أن يطلق الاتهامات ودون أن يُكفّر الرأي المُخالف .

* لقد ترك لنا المسلمون الأوائل أمثلة حية لفهمهم لقرآنهم ولن يستطيع أحد أن يخدعنا بحجة الأصولية .

* ومن واجبنا تصحيح ذاكرة المسلم عن التاريخ وكشف المؤامرة الواسعة لتشويه الإسلام والمتاجرة به في لعبة السياسة .

ليست هناك تعليقات: