الثلاثاء، يناير 02، 2007

طويل الأمد

طويل الأمد


- السلام عليك يا جدي ، كيف حالك اليوم ؟
- وعليكم السلام ورحمة الله ، الحمد لله أنا بخير حال ، بل أشعر أنني أفضل من أي يوم آخر !!!
- حمدا لله على سلامتك يا جدي .

هذا حفيدي الصغير لؤي ، يبلغ من العُمر سبع سنوات ، مازلت أذكر نفسي وأنا في هذا العُمر بالرغم من تركي له منذ ثمانين عاما ، فقد حباني الله بهِبةٍ كانت كالسلاح ذي الحدين ... قوة الذاكرة ...
فكما أستطيع أن أذكر كل شيء هامٍ في حياتي ، أيضا أذكر كل سيءٍ ومُحزن !!!
وليس هناك ماهو مُحزن أكثر من علمي بأنني قد عشت هباءً من أجل لا شيء !!!

في سن السابعة ... كان كل حلمي أن أحصل على طائرة ورقية مثل التي يملكها صديقي ، ثُرت في وجه أبي وأمي ، وظللت أتبع سياسة البكاء المرتفع الصوت لفترات طويلة ... حتى رضخا لمطلبي وأحضروا لي الطائرة التي لم تمكث معي سوى يومين اثنين فقط ... ومن بعدها أُلقيت في سلة المهملات !!!

في سن الثانية عشر ... سألني عمي : ماذا تُريد أن تُصبح عندما تكبر ؟
فأجبته بكل حماس : طبيب أو ضابط .
تعجب عمي من إجابتي قائلا : المهنتان لا علاقة لهما ببعض !!!
- أعلم ، ولكنكم ستفخرون بي عندما يناديني الناس بلقب دكتور أو لقب حضرة الضابط .
نظر لي عمي وقتها نظرة شفقة وضحك من كلامي ، ولم أفهم سبب هذه النظرة إلا الآن .

في سن التاسعة عشر ... أسمع صوت أبي الدافيء وهو يوقظني لصلاة الفجر : قم يا كسلان لتصلي الفجر معي ، فلا خير في دنياك إن لم تُقم دينك .
- لا تقلق يا أبي ، سأُصليه في آخر الوقت وأذهب إلى كليتي مُباشرة .
رد عليّ أبي وقد امتلأ صوته حزنا : إن لم تصليه الآن فلن تصليه أبدا .
وبالفعل ... لم أقم لصلاة الفجر يوها ، ولفترة طويلة لم أقم لها ...

في سن الخامسة والعشرين ... أمي الحبيبة تحتضنني بكل رحمة وهي تهمس في أذني قائلة : هنيئا لك يا بني العيادة ، بارك الله لك في رزقك .
وقد استجيبت دعوتها بالفعل فيما بعد وأصبحت من الأغنياء خلال وقت قصير !

في سن الثلاثين ... أراها كل يوم جمعة في النادي ولا أعرف من هي ، جمالها أخّاذ وشكلها العام يدل على رُقي أسرتها ، قررتُ أن تكون هي زوجتي ... وقد كان .

وبمرور السنين أنجبنا الذكر والأنثى وحرصتُ على أن يحصُلا على تعليم راقٍ بعيدا عن المدارس الحكومية ، واستكملتُ الحلم الجميل بأن أرسلهما إلى الخارج ليعودوا إلي بالشهادات العُليا من جامعات إنجلترا وأمريكا ...
وعادا مُكللين بالنجاح ، وتزوجا ، وأصبحتُ جدا ...

كل ما تخيلته لحياتي وسعيت من أجله قد تحقق ... !!!
سعيت لأصبح طبيبا وها قد أصبحت أشهر طبيب في مجال تخصصي !
سعيت لأصبح غنيا وها قد أصبحت أمتلك ما يكفيني ويكفي أبنائي وأحفادي أيضا !
سعيت لأتزوج بفتاة جميلة ومن أسرة راقية وها قد أصبحت تحمل اسمي !
سعيت لأنجب أطفالا أدخلهم مدرسة للغات ويستكملون تعليمهم في الخارج وها قد عادوا إلي بأعلى الدرجات العلمية !
سعيت لأشياء كثيرة في حياتي وحصلت عليها بالفعل ، ولم ألحظ أن هناك من يسعَ إلي !!! وسوف يصل في أي وقت الآن .

عجبا لابن آدم ... يسعى لامتلاك ما سيتركه رغم أنفه ، ويترك ما سيحتاج إليه رغم أنفه !!!
أعددتُ أوراقي وحساباتي لكل الأشياء التي تمنيتها في هذه الدنيا
منها ما أصبته وامتلكته ... ومنها ما تركني وانفلت من يدي
وبالرغم من أنني كنتُ أعلم يقينا من أن هذا اليوم آتٍ
إلا أنه اليوم الوحيد الذي لم أعد العدة للقائه !!!
ولكنه قد أعد العُدة للقائي ...

طيف غريب بدأ يتحرك نحوي ببطء ... !!!
أهو أحد الأحبة ؟ أم أنه ...... ؟!!!!
- لا ... رَبِّ ارْجِعُونِ ... رَبِّ ارْجِعُونِ ...

إيمان الحسيني
1/1/2007م

هناك 5 تعليقات:

حائر في دنيا الله يقول...

هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم, فاللهم اجعلنا من الصادقين المثبتين عن السؤال
يارب

محمد عبد الغفار يقول...

أسعى يا عبد وانا اسعى معك وان لعبت يا عبد محدش هينفعك ، حكمة لطالما كررتها جدتى رحمهاالله

المشكلة ان الكل يسعى ولكن فى عكس الأتجاه ويفاجأ فى نهايه المطاف بمحطه وصول غير ما اراد فيقول رب أرجعون

رفقة عمر يقول...

ممكن استاذنك انى اخذ الجزء الخاص بفلسطين الحبيبيه واضيفه عندى على المدونه الخاصه بى

إيمان الحسيني يقول...

أختي الكريمة
حضرتك لو دوستي على الرابط إللي تحت الصور هتدخلي على الصفحة إللي أنا واخدة منها الصور دي
وهتلاقي حاجات تانية كتير غير الشريط ده

والمدونة كلها تحت أمرك :)

رفقة عمر يقول...

ربنا يخليك بجد واشكرك كتير على ذوقك بس حبيت استأذن علشان الفكرة فكرتك ومش بحب اتعدى على حق احد شكرا ليك مرة اخرى بجد انت رقيقه جدا وزوق كمان