الأحد، يوليو 15، 2007

رسائل قرآنيـ(3)ـة

" إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ " ... الواقعة الآية (95)
إن نصرَ اللهِ لقريبٌ

اعتدنا منذ الصغر على الاستماع إلى المقولة الشهيرة بأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة ، وهكذا الحال مع كل ما نتعامل معه في الحياة ، مع كل مسألة تواجهنا مهما كبرت أو صغرت ...
حتى الإيمانُ بالله تعالى وبنصره ... يبدأ صغيرا ويكبر ويثبت في نفوسنا مع الوقت والمثابرة ..
ولنا في كليم الله موسى (عليه السلام) مثلا على هذا ...
طريد اضطر إلى الفرار من أرض مصر لارتكابه جريمة قتل ، لجأ إلى أهل مدين فعوضه الله خيرا عما فقد ، وعندما قرر العودة إلى بني إسرائيل في مصر ... كانت الرسالة في انتظاره عند الوادي المقدس طوى ، " إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالوادي المُقَدَّسِ طُوىً " ... النازعات الآية 16
ولم يأتِ لقب كليم الله من فراغ ... فقد كلمه الله بالفعل في هذه البقعة المباركة من أرض سيناء ، وأمره بالتوحيد وإقامة الصلاة ...
ولكي يُظهر الله تعالى عِظم هذا الأمر لموسى أمره أن يُلقي عصاه التي في يمينه ... وكان كليم الله بشرا كأي بشر ... لم يكن قد شعر باليقين بعد ، فخاف وولى مُدبرا عندما رأى العصا تهتز ، والله يعلم هذا الخوف بداخله ، فأراد زرع اليقين بقلبه ...
" وَأَنْ أَلِقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُ كَأَنَّها جانٌ وَلّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّب يا موسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الأَمِنينَ " ... القصص الآية 31
فلما رأى موسى العصا وهي تعود لأصلها الخشبي مرة أخرى اطمئن وأمسك بها ... ولكن كما قلنا ... موسى كان بشرا كأي بشر ... يقينه لم يكن قد اكتمل بعد ...
فأراد الله أن يمتحنه بتجربة أخرى تُثبّت بداخله الإيمان بالله واليقين في نصره المؤيد ...
وجعل الله كليمه يقابل أمهر سحرة فرعون ليُثْبِتَ صدق رسالته ونبوته وبُطلان ما يعبدون من دون الله ، فكان المشهد العظيم في يوم عيدهم ...
خاف موسى مرة أخرى ولكنه لم يولي مُدبرا ... فقد زُرعت بداخله بذرة اليقين من قبل ...
وحان أوان ريها لتكبر ...
" فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خيفَةً موسى ، قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " ... طه الآيات (67 ، 68)
ثَبُتَ موسى مكانه ولكن الخوف داخَلَه ، فثبّته الله بنصر مُبين على جميع السحرة ... وعلى فرعون نفسه ...
والآن ... وبعد هذين الاختبارين لموسى ... كان يقينه بالله تعالى وبنصره قد بلغ حد الكمال ...
علم أن ما أراده الله كائنٌ لا محالة ... وما يريده العباد لا يملكون تنفيذه إلا بأمر الله ...
أيقن أن النصر بيد الله وحده ... وأن الخير بيد الله وحده ... وأن نجاة بني إسرائيل من ظلم فرعون بيد الله وحده ...
فانصاع لأمر الله تعالى وفرّ ببني إسرائيل إلى الأرض التي بارك الله حولها ، ليعبدوا الله فيها كثيرا ... ويشكروه كثيرا ...
وفرعون – كأي طاغية – لم يقبل بالهزيمة ويُسلّم بها ، فخرج مُطاردا لبني إسرائيل ...
وأمام البحر الأحمر وقف بنو إسرائيل متصببين عرقا ، زائغي الأعين ، وقد بلغت قلوبهم الحناجر من شدة الخوف عندما رأوا فرعون وجنوده في إثرهم ... فتعالت الصيحات : يا موسى لقد أدركنا فرعون وجنوده ، إنا مقتولون لا محالة ....
ولكن موسى عَبَدَ اللهَ حق العبادة ... فرزقه الله كمال اليقين وهو في أكثر المواقف عجزا ...
البحر أمامهم ... وفرعون وجنوده خلفهم ... إنهم مُدركون لا محالة ....
فأجاب موسى صيحاتهم بثقة ويقين تامين :
" كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدينِ " ... الشعراء الآية 62
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟!!!
بيقين موسى في نصر الله ... وبأخذه بالأسباب لتنفيذ أمر الله ... نجّى الله موسى وبني إسرائيل من يد فرعون وجنوده بمعجزة أثبتتها جميع الكتب السماوية ... انشق البحر وعبر بنو إسرائيل بسلام ، واُغلق مرة أخرى ولكن على فرعون وجنوده فكانوا من المُغرقين ...
أحبتي في الله ... أعيتنا كثرة المصائب وعار الانهزام أمام أعداء الله ...
تختلف الأسماء ... وتتشابه وجوه المظلومين المستضعفين في الأرض ... شهداء أحياء ، أطفال أيتام ، أمهات ثكلى ... ماذا فعلنا لنصرهم ؟
هذه دعوة مفتوحة لنعبد الله حتى يأتينا اليقين ... حتى يزرع الله بداخلنا بذور اليقين ... حتى يرويه بمعجزات تُأصله بداخلنا ...
فيخرج أمر الله من اللوح المحفوظ ببركة كن فيكون ...
ويكون نصر الله على الأعداء ...


إيمان الحسيني

هناك 5 تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

أستاذة بارك الله فيك
الفكرة جميلة جدا وهي التدرج في تنمية الخلق(أي خلق وخاصة اليقين والثقة بالله) وأنه يتربى في نفس المؤمن بالأحداث ويزيد بالطاعات
ومثله حديث الغلام في قصة أصحاب الأخدود حتى وصل إلى أنه أرشدهم لطريقة موته من شدة ثقته بما عند الله بعد أن كان يشك في اختيار الخير بي الراهب والساحر

يبقى نقطة وهي أن تفسير الآية والذي عليه المفسرون هو أن اليقين هو الموت

إيمان الحسيني يقول...

بارك الله فيك وبك أخي الكريم
وجزاك الله خير الجزاء للمداخلة الجميلة

أما بخصوص الآية
فرأيك في محله
وقمت باستبدالها بالآية في سورة الواقعة
حيث معنى اليقين : الحق الأكيد

ياسر سليم يقول...

جزاكم الله خيراً

على هذا الموضوع القيم


الذى لا يحتاج تعليق بعده


جعله الله فى ميزان حسناتك

عصفور المدينة يقول...

لك احترامي ودعائي بتوفيق الله لك في أمر دينك ودنياك
وسبحان الله أصبحت أذهل عندما أجد من يرجعون إلى الحق وفعلا هم أصبحوا قليلين
وأحسبك منهم بارك الله فيك

إيمان الحسيني يقول...

سبحان الله يا أخي الكريم
وأين أنا من الإمام الشافعي حين قال :

أحب الصالحين ولست منهم
وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي
وإن كنا سواء في البضاعة

نسأل الله العفو والعافية
اللهم آمين