الخميس، سبتمبر 06، 2007

أنا ورمضـ(6)ـان وشوشو ... الحلقة الأخيرة

وعند أذان الفجر كنت مُتيقظا على غير العادة ، مزهوا بنفسي وكأنني بين ليلة وضحاها أصبحت علامة عصري وأواني وأدرى خلق الله بخلق الله !!!
توجهتُ إلى المسجد في خطىً سريعة ونشيطة مُستعدا لخوض معركتي الكلامية الأولى مع مَن ينتمون إلى جماعات دينية وكلي يقين بأنني سأهزمهم وأفضحهم أمام الجميع بعد أن حفظتُ الدرس من إبليس اللعين بالأمس .
وبالطبع لم أنل من صلاة الفجر إلا تكبيرة الإحرام والتسليم لأنني كنتُ أركز أشد التركيز على المواضيع الهامة التي سوف أقوم بمناقشتها مع مَن كنتُ أراهم بالأمس القريب مُسلمين وأخوة في الله .

وبعد انتهاء الصلاة توجهتُ إلى الجماعة التي أتعلم معاها التجويد ، وفتحتُ الحديث معهم بهدوء ، ثم ألقيتُ قنبلة شديدة التفجير :
- بصراحة أنا شايف إن مافيش حد من الجماعات دي كلها مُسلم ، كلهم كَفرة ومنافقين ومُدعين تدين .
نظر الشباب إلى بعضهم البعض مُتعجبا ثم سألني أحدهم : هو حضرتك بتتكلم عن أنهي جماعات بالضبط ؟!!
رددتُ بكل ثقة : عن الجماعات إللي منتشرة اليومين دول ، إيشي سلف وإيشي إخوان وإيشي تبليغ ودعوة ... كلهم كَفرة ...
وما إن أنهيتُ جملتي حتى رأيت الدماء تتدفق في وجوههم ، وما زادني هذا المنظر إلا غرورا بنفسي وكأنني فتحتُ عكا !!!
وبدأتُ أسترسل في الحديث وما أسكتني إلا تجمهر بعض المُصلين من حولي بعد أن سمعوا حديثي السابق بتكفير كل الجماعات الدينية الموجودة ... وعلمتُ من ردودهم الغاضبة أن منهم السلفي والإخواني و... و....
وكانت اللحظة الحاسمة التي أصررتُ فيها على رأيي الذي أقتنع به تماما ، فما كان منهم إلا أن تناسوا خلافاتهم وأصبحوا شخصا واحدا يحاول إيصال فكرة مُحددة إلى ذهني ألا وهي أن الجميع مُسلمون ومُوحدون بالله ولا يحق لي أن أتهم أحدهم بالكفر .
ولكنني كنتُ تلميذا متفوقا لإبليس اللعين فأعدتُ كلامي كله مع إصرار وثقة لا أعلم من أين أتيت بهما !!!
وفجأة وجدتُ نفسي محمولا على الأعناق ... ليس تمجيدا لي ولآرائي
بل إمعانا في إهانتي بإلقائي خارج المسجد وتهديدي بالضرب المُبرِّح إن دخلت هذا المسجد ثانية !!!

انتفضتُ واقفا وكلي غضب وقد هممتُ بالرد عليهم وسبهم ولكن كلمتهم التي أجمعوا عليها ألجمت لساني : تلاقيه مُلحد من إياهم لا بيؤمن بإله ولا دين ولا أي حاجة ، مش بيؤمن غير بعقله وبس ، ربنا يهديه .
مُلحد !!! ... أنا مُلحد ؟!!!
كيف يتهمونني بالإلحاد وأنا أشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟!!!
تساؤل انتهى بعلامة تعجب كبيرة !
ليس تعجبا من اتهامهم إياي بالإلحاد ... بل تعجبا من أنني قد سبقتهم إلى هذا الفعل واتهمتهم بالكفر وهم ينطقون بالشهادتين أيضا !!!
ساعتها أدركتُ بأن ما نالني من إهانة هو من صنع يدي ... فأنا من بدأت ، وقانون الطبيعة يؤكد على أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه .

عُدتُ إلى منزلي وأنا أشعر بالخزي والأسى على ما وصلتُ إليه من حال ولم يتبق على شهر رمضان الكريم سوى ساعات قليلة ... أينتهي بي المطاف بأن أصبح في نظر الناس مُلحدا ويمنعونني من دخول المسجد ؟
تذكرتُ تلك الأحاسيس الجميلة التي عايشتها عند صلاتي لأول مرة في المسجد بالأمس وأيقنت بأنني قد خسرتها للأبد بتصرفي الأحمق هذا .
وكان لا بد أن تصل إليّ الرسالة في أنقى صورها بأن مررتُ بأحد محلات الطعام والتي تفتح أبوابها مبكرة وقد شغّل العامل فيها شريطا دينيا لأحد العلماء ، فوصلني صوته وهو يردد حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر ، إلا ارتدت عليه ، إن لم يكن صاحبه كذلك !!!
شعرتُ بهذه الرسالة الصريحة أن الله قد طردني من رحمته وأنه لا سبيل للعودة أمامي ... حالة من اليأس وصلتُ فيها إلى القاع وقد علمتُ أنني أصبحتُ مُبلسا من رحمة الله ... : زي إبليس اللعين الله يخرب بيته ، فضل ورايا لحد ما ربنا طردني من رحمته زي ما طرده زمان ... حسبي الله ونعم الوكيل ... بس لما أشوف وشه .

وفي المنزل وجدته جالسا في انتظاري وفي غير أوقات زيارته المعتادة ، وملامح وجهه تُظهر أنه على علمٍ بما حدث ...
- عاجبك إللي حصل يا ... أقول عليك إيه بس ؟ ... أنت السبب ... أنت إللي خلتني أطرد من رحمة ربنا وأبقى في نظر الناس مُلحد وكافر ...
ما إن أنهيتُ جملتي حتى دوت ضحكته في أرجاء الشقة بشكل هستيري ...
- علشان تدوق إللي أنا دوقته زمان بسبب أبوك آدم يا ... آدم .
- وهو أبويا آدم كان قالك ما تسجدش لله ؟ أنت إللي اخترت ده بنفسك وغرورك .
- وأنت برضه اخترت إنك تمشي في نفس السكة بنفسك وغرورك ... ماحدش ضربك على إيدك ولا فرض عليك حاجة ... مش أنت برضه عندك عقل تفكر بيه ؟!!!
شعرتُ بهبوط روحي داخل جسدي وأنا أسأله : يعني إيه ؟ خلاص ... مش هادخل الجنة ؟
- جنة إيه بقى ... خليك معايا في النار أحسنلك أهو نونس بعض برضه .
وظل يضحك وهو ينظر إلي بتحدٍ غريب وكأنه قد ضمن مكانا لي في النار ... ولم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء والانهيار أمامه ولساني يُردد بدون وعي مني :
يا رب سامحني يا رب ... يا رب سامحني ومش هاعمل كده تاني ... يا رب سامحني وماتدخلنيش النار يا رب أنا ماليش غيرك ألجأله ... يا رب ... يا رب .. ياااااااا رب ...
وفي أثناء انهماكي في البكاء والدعاء اكتشفت أن اللعين قد بدأ يسود لونه ويشحب وجهه ويتضاءل حجمه بشكل ملحوظ وهو يرمقني بنظرة ترجي ولكن لا يستطيع أن ينطق !!!
صمتُ للحظة لأفهم ما يحدث ولكن وجدت حجمه قد ثبت ... فواصلتُ الدعاء إلى الله بكل ما أوتيتُ من يقين بإجابة الدعاء ، فعاد يصغر حجمه من جديد وهو يحاول التشبث بأي شيء يُبقيه في مجده الزائف بالانتصار علي ... حتى اختفى ... وأضاءت الشقة من جديد ...

فزعت لحظتها عندما سمعت جرس الباب ... ذهبت لأفتح بكل حرص وفي تفكيري أن اللعين قد عاد ، ولكنه اعتاد الظهور فجأة دون طرق لباب او استئذان !!!
فتحتُ الباب فإذا أنا بقريبي أحمد : السلام عليكم يا آدم .
ظللتُ شارد الذهن للحظة ولم أكن أعلم هل يجب علي أن أفرح لرؤيته أم أحزن لأنه شاهدٌ على انحراف سلوكي : وعليكم السلام يا أحمد ... اتفضل .
- بص بقى يا آدم أنا جاي النهاردة علشان أفتح معاك صفحة جديدة .
تعجبتُ من طلبه وأجبته خجلا : أنت إللي هتفتح معايا صفحة جديدة يا أحمد ؟!! ده أنا وشي منك في الأرض من إللي حصل الكام يوم إللي فاتوا .
- مش المهم إنك تكون مكسوف مني يا آدم المهم إنك تكون حاسس بالخجل من ربنا إللي عصيته وهو شايفك في كل وقت وكل مكان ... وأنا مش باخلي نفسي من المسئولية برضه .
- مسئولية إيه ؟
- كان المفروض أفضل معاك وأحاول أعرّفك الصح من الغلط بدل من التعالي عليك والتعامل معاك على إنك مُذنب وأنا الطائع لله .. ربنا يسامحني ويغفرلي .. المهم بقى نبدأ صفحة جديدة مع بعض ... إيه رأيك ؟
لا أعتقد أنني قدر مررتُ بلحظة فرح كهذه التي أعايشها الآن : معقولة يا أحمد ؟ أنت عاوز تبقى صاحبي ؟
- لأ مش صاحبك ... عاوز أبقى أخوك .
- أخويا ؟!!! ياااااااااه ... ياريت أنت بس تقبل ؟
طب يلا بينا بقى ننزل نصلي الضحى في المسجد مع بعض ...
صرختُ فزعا : لأ ... المسجد لأ ..
رد علي وكأنه أصيب بخيبة أمل : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ليه بس يا آدم ؟ دي الصلاة في المسجد هي إللي هتظبطلك كل أمور حياتك ؟
ظللتُ صامتا للحظات ولا أدري أأخبره بما حدث هناك أم أكتم السر عنه !!!
- بص بقى أنت قولت إننا هنبدأ صفحة جديدة مع بعض ، صح ؟
- صح .
- النهاردة الفجر بعد ما صليت في المسجد .....
وبدأتُ أقص عليه ما حدث بالتفصيل ، ولاحظتُ تغير ملامح وجهه إلى الغضب الشديد ولكنه ظل متمالكا نفسه حتى أنهيتُ حديثي ، فقال لي بعد لحظة صمت وتفكير : طب قوم اتوضى وتعالى معايا .
- حاضر .

وفي المسجد عندما رآني مَن تبقى مِمَن حضروا صلاة الفجر هبوا لمنعي من دخول المسجد مرة أخرى ، فوقف أحمد كحاجز بيني وبينهم وطلب التحدث إليهم بهدوء داخل المسجد لتوضيح أمر ما ... وبعد شد وجذب وافقوا على أن يجلسوا مع أحمد وأنا خلفه ليسمعوا منه ...
وفي خلال ساعتين من النقاش الحاد أثبت لهم أحمد قريبي أنني ممن تم حشو عقولهم بأفكار زائفة عن الدعوة والجماعات بدون علمٍ ، وصغر سني جعلني أنساق وراء هذه الأفكار دون طلب الدليل أو البينة ، وأكد لهم بأنني آسف وتائب عما بدر مني في حقهم وحق المسلمين جميعا ... ثم نظر إلي وكأنه يطلب مني الحديث فقلتُ على الفور : والله العظيم أنا آسف وكنت فاهم غلط ، وربنا يسامحني على إللي عملته ... بس أرجوكم ماتقولوش عليا ملحد أو كافر ، والله العظيم أنا مسلم .
وبدأت عيناي تذرف الدموع خوفا من طردي ثانية ، ولكن المفاجأة أنهم قد سامحوني وقاموا لمصافحتي وكأن شيئا لم يكن ... فشعرتُ بالخجل الشديد من نفسي ... ولكن حُسن خُلقهم أزال حاجز الخجل بيني وبينهم ...

- أنا مش عارف أشكرك إزاي يا أحمد ... زي ما يكون ربنا بعتك ليا نجدة .
- ماحدش عارف يا آدم مين إللي كان نجدة لمين !!! المهم بقى ...
- أيوة المهم ...
- أنت ناوي تستعد لرمضان إزاي في اليومين إللي فاضلين دول ؟
- لا الله يكرمك ماتسبنيش لنفسي تاني ، انت قولي هتعمل إيه وأنا هاعمل زيك .
- ماشي يا سيدي بس خليك فاكر إن أول يوم هيبقى الفطار عندي في البيت ... تحب تفطر إيه بقى في أول يوم رمضان ؟

وبدأ الحوار بيني وبين أخي أحمد يزداد مودة وقربا وكأنني أكتشفه وأكتشف نفسي معه لأول مرة ...
ولكن مازالت جملته العجيبة تتردد في ذهني : ماحدش عارف يا آدم مين إللي كان نجدة لمين !!!

- رمضان كريم يا أبو حميد .
- الله أكرم يا آدم .
إيمان الحسيني

هناك 8 تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

الحمد لله انه ماوصلش المنتديات
كل عام وانت بخير

إيمان الحسيني يقول...

ههههههههههههه
وأنت بخير أخي الكريم

الطائر الحزين يقول...

الصحبة الصالحة
كل عام انت بخير ورمضان كريم

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله خير الجزاء أخي الكريم
وكل عام وأنت بخير

Ahmed يقول...

جزاكي الله خيرآ
وكل عام وانتي والأمه الأسلاميه بخير

إيمان الحسيني يقول...

وإياكم أخي الكريم

Amir ELmasry يقول...

مدونه اكثر من رائعه يا ريت تفيدنا علي طول كده ممكن تزريني وتشرفي في مدونتي http://amirelmasry.blogspot.com/

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله كل خير أخي أمير
منور المدونة :)