الجمعة، يوليو 03، 2009

عقيــ(2)ــدتي أولا

لا تخَف ... لا تحزن ... لا تغضب


1- الخوف والحزن :
حينما يُذكر الخوف في القرآن الكريم يُذكر معه الحزن دائما ، واللافت للنظر فعلا أن ذكرهما في القرآن ارتبط بالإيمان بالله تعالى سواء كان ذُكر الإيمان بشكل صريح ومباشر أو بشكل يُفهم من خلال سياق الآيات ، وفيما يلي سنذكر بعض هذه الآيات وليس كلها :

" قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " البقرة (38)

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " المائدة (69) .

" أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " يونس (62) .

" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " فصلت (30) .

" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " الأحقاف (13) .

تُرى ما علاقة عدم الخوف والحزن بالإيمان بالله تعالى ؟
نبدأ القصة من بدايتها ... عندما خلق الله تعالى أبونا آدم وأمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا له ، فسجدت الملائكة تنفيذا لأمر الله تعالى وعصى إبليس ربه ، فطُرد من رحمة الله إلى يوم القيامة ، وأُدخل آدم الجنة هو وزوجه ، فكان لا بد أن ينتقم إبليس من آدم لأنه يرى أنه كان سببا في الطرد من رحمة الله ، وأعظم انتقام أن يُطرد آدم من رحمة الله أو من الجنة .
ولم يجد إبليس أفضل من الخوف كنقطة ضعف يستطيع بها إغواء آدم ليعصي أمر الله :

" وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ " الأعراف (21:19) .

" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى " طه (120:115) .

شعر آدم بالخوف على ما في يديه من نعمة ونسي أن الجنة بكل ما فيها حلال له ولزوجه فيما عدا شجرة واحدة فقط !!! وحزن لأنه علم أن مصيره الموت ، فقد سمع وعد الله تعالى لإبليس بأن يظل حيا إلى يوم البعث : " قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ " الأعراف (15:14) .

ولأنه خاف وحزن فقد تمكن إبليس منه وجعله ينسى أمر الله له وجرّأه على عصيان الله تعالى فأكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة :

" فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ " الأعراف (25:22) .

وطُرد آدم من الجنة لأنه أصغى إلى إبليس الذي استغل إحساس الخوف والحزن بداخله ... فكان الخوف والحزن سببان لطرد آدم من الجنة .

وكما فعل إبليس مع أبوينا فهو يسير على نفس النهج معنا ... الخوف والحزن
هل هناك في هذه الدنيا شيء لا نخاف منه أو عليه أو نشعر بالحزن لفقده ؟
كل مشاعرنا وأحاسيسنا مرتبطة بشكل أو بآخر بالخوف والحزن ، وهما إحساسان طبيعيان في النفس البشرية ، ولكن ... إذا زاد الشيء عن حده انقلب لضده ، وهذه الزيادة هي ما يُريده إبليس ليتسبب في طردنا من رحمة الله ، بمجرد أن نستسلم لمخاوفنا وأحزاننا بشكل مبالغ فيه فإننا نُتيح الفرصة لإبليس حتى يتمكن منا ويوسوس لنا بما يحلو له ، وعندما يتمكن منا عدونا بإنه سيتسبب في طردنا من رحمة الله .

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " فاطر (6:5) .

فلا تغرنا الحياة الدنيا بكل ما فيها ، لأنه لا يوجد بها ما يستحق أن نحزن عليه أو نخاف منه للدرجة التي تجعلنا نخسر أُخرانا ، والشيطان يعلم آخرته ولا يُريد أن يحترق في جهنم وحده ، وهو منذ الأزل بدأ في تجميع حزبه من بني آدم ليكونوا من أصحاب السعير ... وسلاحه السري في هذا : الخوف والحزن .

لقد حزن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لفقد ابنه إبراهيم ، وحزنه طبيعي كأب يموت ابنه الصغير بين يديه ، ولكنه قال : إنن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون ... رواه البخاري .
وبعد موت الصغير إبراهيم استمرت الحياة ولم تتوقف .


2- الغضب :
والغضب حاله حال الخوف والحزن ، نقطة ضعف يستطيح بها الشيطان أن يغوي الإنسان ليعصي ربه ، ولكنه يختلف عن الخوف والحزن في أن أثره مُتعدي ، أي أن الخائف يكون وحده وكذلك الحزين ، ولكن الغضبان قد يتعدى غضبه ليؤذي من حوله ، وهو أحد الأهداف الرئيسية لإبليس ... التحريش بين أبناء آدم .

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش بينهم ... صححه الألباني .

لذلك فقد حثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ترك الغضب حين قال : ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ... رواه البخاري .

أتى رجلٌ فقال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أوصني .
قال : لا تغضب . فردد مرارا ، قال : لا تغضب ... رواه البخاري .

والغضب أيضا ذُكر في القرآن الكريم مرتبطا بالإيمان بالله تعالى ، يقول تعالى في كتابه الكريم :

" الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " آل عمران (134) .

" وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ " الشورى (37) .

الأخوة والأخوات الأفاضل ...
من تمام صِحة العقيدة ألا نخاف ولا نحزن ولا نغضب ، لأن هذه الأفعال يستغلها الشيطان كنقاط ضعف ليُخرجنا بها من الجنة ، فعندما خاف آدم وحزن عصي ربه ونسي ما أمره به فطُرد من الجنة ... ولكننا قد يصل بنا الأمر إلى الشرك بالله تعالى .
فهل تُريد أن تنتصر لأبينا آدم ولنفسك بأن تدخل الجنة معه يوم القيامة ؟
لا تخف ... لا تحزن ... لا تغضب .

ليست هناك تعليقات: