الخميس، يونيو 07، 2007

" يا ليت قومي يعلمون "

* من أنت ؟
سؤال قد يبدو بسيطا في بداية الأمر ، ولكنني أطلب منك أخي الكريم أن تتمعن جيدا في معنى السؤال ، وتُبحر معه إلى حيث تأخذك الأفكار ، فأنت لست مُجرد جسد من لحم ودم وعظام ، أنت حفيد أبينا آدم الذي صنعه الله بيده ونفخ فيه من روحه المُباركة ...
وبالرغم من أن آدم هو أول إنسان وهو أبو البشر جميعا إلا أننا مازلنا نذكره ومازلنا نحفظ اسمه عن ظهر قلب ، هل تعرف لماذا ؟
لأنه بالرغم من موته من آلاف السنين إلا أنه خالدٌ بيننا بسيرته وقصته وأفعاله ، فالجسد وإن تآكلته هوام الأرض فإن الذكرى تُبقي الأثر حيا لمئات السنين .
فإذا أردت أن تترك أثرا يُبقي سيرتك حية بين الناس ، يجب عليك أن تأتي بفعل يحفظك به الناس ، فيرددون اسمك حتى بعد موتك ...
إذا أردت هذا فعلا يجب عليك أن تكون إيجابيا بدلا من أن تعيش على هامش الحياة لا يعلم بميلادك أو موتك أحد .

* ما هي الإيجابية ؟
الإيجابية هي الطاقة التي تشحذ الهمة ، وتذكي الطموح ، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل ، وانتهاز الفرص ، واستثمار الواقع .
وتُعطي معاجم اللغة العربية للإيجابية دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب " أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه" [ لسان العرب 1/793 ] ، ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام ، ومآلها إلى الحتم والوجوب .[ منقول من جريدة الغد الأردنية ]
وأَولى الناس بامتلاك مثل هذه الصفة هو المسلم المؤمن لما حباه الله من عقيدة راسخة قائمة على إيجابية أفرادها في الاهتمام بالدعوة إلى الله ونشر الخير كما وصفنا الله تعالى في كتابه الكريم : " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " آل عمران (110) .

* إيجابي في وجود الرُّسل :
هو رجل كلنا قرأنا قصته وبعضنا يحفظ السورة التي ذُكرت فيها هذه القصة ألا وهي سورة يس ، فقد أرسل الله لأهل قرية ثلاثة من الرّسل متتابعين ليدعوهم إلى الله تعالى ويأمروهم بالتوحيد والعدل ، فما كان من أهل القرية إلا أن نبذوا الرسل وهددوهم بالرجم بالحجارة ... ولندع آيات الله تحكي لنا ما كان من أمرهم : " وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ، قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ، وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ "يس (19:13) .
وبالرغم من وجود هؤلاء الرُّسل الثلاثة إلا أن المفاجأة كانت في رجل أتى من أقصى المدينة ليدعوا أهلها إلى الإيمان ، فما الذي جعله يقوم بهذا الأمر وهو يعلم أن هناك ثلاثة من الرّسل متواجدون بالفعل في القرية ؟!!!
إنها الإيجابية أحبتي ... فقد علم هذا الرجل بفطرته البسيطة وبقوة إيمانه بالله أنه مسئول عن نشر هذا الدين طالما أنه قد ارتضاه لنفسه واعتنقه بكامل إرادته ، فاستحق بهذه الإيجابية أن يُخلد الله ذكره في القرآن الكريم لتُتلى قصته إلى يوم القيامة ويُثاب قارئها أيضا : " وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ، وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ ، إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ، إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ " يس (25:20) .
وظل الرجل المؤمن يدعو قومه إلى الإيمان بالله واتباع الرّسل ، فما كان من أهل القرية إلا قتلوه ليتخلصوا منه ، قُتل الرجل في سبيل الدعوة إلى الله ، قُتل ظُلما وجورا ، ولكنه كان إيجابيا حتى بعد مماته ، إيجابيا حتى مع من قتله من قومه ، ولأنه شهيد فقد أمر الله بإدخاله الجنة ، فقال وهو يدخل الجنة : " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " (27،26) .
أي إيجابية تلك التي تجعل رجل يتذكر من قتله ويتمنى الخير له وهو مُقبل على الجنة مفتوحة له أبوابها ؟!!!

* تعلموا الإيجابية من خَلق الله :
نعم أحبتي فصفة الإيجابية ليست مُقتصرة على بني البشر فقط ، بل هي مُمتدة إلى جميع مخلوقات الله بما فيها الحيوانات والحشرات ...
فها هي نملة صغيرة ضعيفة تنادي صويحباتها بكل الحب والاهتمام وتأمرهم بالاختباء في جحورهم لأن نبي الله سُليمان سيمر بالجيش قريبا منهم ، وقد خافت النملة على بني جنسها من أن يحطمهم الجيش المُبارك دون أن يعلموا لصغر حجم النمل وتعسر رؤيته ، فكافأها الله على إيجابيتها بأن جعل نبي الله سُليمان يسمع قولها ويفقهه بما علمه له من منطق الطير والحيوانات ، فأمر سُليمان جنوده أن يُبطئوا في المشي وأن يتوخوا الحذر حتى لا يُهلكوا قرية النمل ، وما أجملها من قصة نقرأها ونُثاب عليها بإذن الله تعالى : " حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ " النمل (19،18) .
ويليها في نفس السورة قصة أخرى مُشرقة من قصص الإيجابية في خلق الله تعالى ونتعلمها هذه المرة من طائر يُسمى الهُدهُد كان أحد جنود جيش نبي الله سُليمان ، وقد طار إلى مدينة سبأ التي تحكمها امرأة ويعبدون فيها الشمس من دون الله ، فما كان منه إلا أن عاد إلى نبي الله سُليمان ليُخبره بما رأى وعلم ، والمفاجأة الحقيقية أن المسافة بين بيت المقدس حيث يعيش نبي الله سُليمان وبين مدينة سبأ كانت آلاف الأميال لأنها كانت في اليمن ، وبالرغم من ذلك فإن الهدهد اهتم لأمرهم وسعى لإبلاغ أمرهم إلى نبي الله لما أنكره عليهم من عبادة الشمس من دون الله ، فكان هذا الهدهد الصغير الضعيف سببا في إسلام أهل هذه البلدة كلهم : " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ، وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ، أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " النمل (26،20) .

* كُن إيجابيا من اليوم :
أخي الكريم أختي الحبيبة ...
هيا بنا أحبتي في الله نتعاون ونتكاتف لنكون إيجابيين بحق ، ولنبدأ معا ، ولتكن تلك بدايتنا الجديدة مع الله وفي الله ولله .
فلنُعن ذا الحاجة الملهوف ، ونُطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما ، ونتصدق كما لم نتصدق من قبل ، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) جوادا وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان كالريح المُرسلة بالخير ... ولأننا مُسلمون فنحن بإذن الله مُتبعون لسنته الشريفة بكل حب وإيجابية .

إيمان الحسيني

هناك 13 تعليقًا:

BinO يقول...

بارك الله في يمينك

عصفور المدينة يقول...

حاضر حاحاول إن شاء الله
جزاك الله خيرا

عدى النهار يقول...

شىء جميل أنكِ بدأتِ بنفسك من خلال تقديم هذه الدعوة. جزاك الله خير وأعاننا على العمل بها

ياسر سليم يقول...

جزاكم الله خيراً

موضوع اكثر من رائع

إيمان الحسيني يقول...

بارك الله فيك وبك يا أخي بينو

إيمان الحسيني يقول...

وإياكم أخي عصفور المدينة

إيمان الحسيني يقول...

فاقد الشيء لا يُعطيه يا أخي الكريم
وقبل ما أدعو الناس لشيء
لازم أكون أنا مقتنعة بيه من الأول وباطبقه على نفسي

جزاك الله خير الجزاء

إيمان الحسيني يقول...

وإياكم أخي ياسر سليم

لحظة يقول...

رائع يا طعمة
لكن نسيتي تكملي:وان لم يستطع
يكف اذاه عن الناس فانها صدقة
المؤذيين كتير قوي
ولو بس يبطلو اذى
ومش عايزين منهم حاجة بعد كدة
جزاك الله خيرا

إيمان الحسيني يقول...

والله عندك حق يا لحظة
هتبقى قمة الإيجابية فعلا إن الواحد يكف أذاه عن الناس
الله المستعان

حمد الله على السلامة :)

يا مراكبي يقول...

موضوع رائع فعلا .. أحييك على سرد هذه الأمثلة الممتازة مثلما أحييك على طرح الفكرة

دعوة رائعة حقا

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله خير الجزاء يا مراكبي
نسأل الله أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم آمين

رفقة عمر يقول...

بجد تذكره جميله قوى لينا بتفكرنا لما ننسى
جزاك اله خيرا ربنا يكرمك يارب