الخميس، يوليو 09، 2009

عقيــ(3)ــدتي أولا

ويحك ... أفي الله ورسوله شك ؟

تحدثنا في الجزء الثاني عن ثلاثة أشياء يستغلها الشيطان ضدنا ليتسبب في معصيتنا لله ، وفي أحيان كثيرة يتسبب في الشرك والكفر والعياذ بالله ، هذه الأشياء أو هذه الأحاسيس هي : الخوف والحزن والغضب ، ووضحنا كيف استغل الشيطان خوف أبينا آدم وحزنه حتى أخرجه من الجنة ، وهذه خطة الشيطان وأبنائه مع أبناء آدم كلهم ، استغلال مخاوفنا وأحزاننا وغضبنا الشديد لتكون النهاية الحِرمان من رحمة الله ومن الجنة .

ولكي نفهم كيف يستغلنا الشيطان حتى يصل بنا إلى هذه المرحلة ، يجب أن نفهم بداية مفهوم التوحـيد ومفهوم الشرك ، وفيما يلي نقل لمعاني التوحيد والشرك من مطوية للشيخ الدكتور صالح بن عبد الله الصياح بعنوان : يُشركون وهم لا يعلمون ... طباعة ونشر دار ابن عُمر للنشر والتوزيع .


1- ما هو التوحيد ؟ ما هو الشرك ؟
التوحيد : هو إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات ، وهو قسمان :
* توحيد الألوهية : وهو إفراد العبد أفعاله التعبدية لله وحده ، فلا يصرف شيئا منها لغير الله ، أي أن العبد مأمور بالإخلاص في العبادة وأن تكون عباداته كلها لله وحده .

* توحيد الربوبية والأسماء والصفات : وهو إفراد العبد الله سبحانه وتعالى بأفعاله وصفاته وأسمائه فلا يُشاركه فيها أحد ، أي أن أفعال الله وأسمائه وصفاته يجب أن يوصف بها الله وحده مثل الموت والحياة والرزق والخلق .... إلخ .

الشِّرك : هو صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق ، وهو قسمان :
* الشِّرك الأكبر : هو صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق كما يصرف لله ، وهو مُخرج من الإسلام ومُبيح للنفس والمال ، وهو قسمان :
- شرك في الألوهية : وهو صرف العبد شيئا من أفعاله التعبدية لغير الله ، ومن أنواعه الشرك في الدعاء ، والمحبة ، والطاعة ، والنية والقصد ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل .
- شرك في الربوبية والأسماء والصفات : وهو صرف العبد شيئا من أفعال الله أو صفاته أو أسمائه لغير الله ، كالخلق ، والرزق ، والإحياء .

* الشِّرك الأصغر : هو صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق ولكن ليس كما يصرف لله ، وهو لا يُخرج من الإسلام ، ولا يُحبط العمل كله ، بل يُحبط ما وقع فيه الشرك ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، ووسيلة إلى الشرك الأكبر ، ولا يُخلّد فاعله في النار .


2- أفي الله ورسوله شك ؟!!!
يقول الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو يُخاطب أبا بكر الصديق : يا أبا بكر ، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل والذي نفسي بيده ، للشرك أخفى من دبيب النمل ، ألا أدلك على شيء إذا فعلته ذهب عنك قليله وكثيره ؟ قل : اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم ، واستغفرك لما لا أعلم ... صححه الألباني .
معنى الحديث أنه إذا كان للشرك صوتٌ فهو أخفى من صوت دبيب النملة ، أي أنه يسري في أمة محمد في الخفاء دون أن يشعر به أحد .

ولكلٍ منا نصيبه من الشرك سواء كان مُتعمِّدا أو جاهلا ، لذلك أوصى الحبيب المصطفى صاحبه بما يُذهب عنه الشرك قليله وكثيره ، ألا وهو الدعاء لله بإخلاص قائلا : اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم ، واستغفرك لما لا أعلم .

وقبل أن نتطرق إلى بعض الأمثلة لمظاهر الشرك التي نمارسها يوميا دون أن نشعر أو نفقه يجب أن نضع قول الله ورسوله أمامنا ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :

" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ " آل عمران (27:26) .

" وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " هود (6) .

" وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ " الذاريات (22) .

" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " الطلاق (3:2) .

ويقول رسول الله (على الله عليه وسلم) : إن الله عز وجل وكّل بالرحم ملكا يقول : يا رب نطفة ، يا رب علقة ، يا رب مُضغة ، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال : أذكر أم أنثى ، شقي أم سعيد ، فما الرزق والأجل ، فيُكتب في بطن أمه ... رواه البخاري ومسلم .

عندما تسعى للحصول على عمل ما ، وتجده في نهاية الأمر قد ذهب لمن هو أقل منك خبرة وكفاءة فإنك بطبيعة الحال تقول : الحمد لله على كل حال ... قدّر الله وما شاء فعل .
ولكن ماذا يحدث بينك وبين نفسك ؟
أو بمعنى أدق ... ما الحوار الذي يُديره الشيطان بينك وبين نفسك ؟
(كان المفروض أنا إللي آخد الشغلانة دي ، أنا أحسن منه ؟ إزاي هو قِدر ياخدها مني ؟!!! أكيد هو جايب واسطة ، كان المفروض أنا كمان أجيب واسطة)
لسان حالك يقول : قدّر الله وما شاء فعل ... ثم تعتقد بأنك خسرت الوظيفة لأنك لم يكن معك واسطة ؟!!!
للأسف ... الكلمات نطق بها لسانك ولكن لم يؤمن بها قلبك ، فقد جعلك الشيطان تعتقد يقينا بأن هناك أسبابا أخرى – غير قدر الله – هي التي جعلتك تخسر هذا العمل ، ولم تعمل أو تُصدق بما نطق به لسانك بأن الرزق بيد الله لأنه قدر ... ولا خيرة لنا في أقدارنا المكتوبة .
ولأنك اقتنعت بما ألقاه الشيطان في نفسك فقد أُصبت بالحزن والخوف والغضب ... الأسباب الثلاثة الرئيسية للخروج من الجنة ، وهل هناك سببا للخروج من الجنة أكبر من الشرك بالله واعتقادك في نفسك أو في أي مخلوق آخر بأنه قادر على أن يُجلب لك الرزق الغير مكتوب لك ؟
ويحك ... أفي الله ورسوله شَك ؟!!!

عندما تتزوج صديقتك قبلك وتظلين أنتِ بدون زواج فلسان حالك يقول : كل شيء نصيب .
ولكن ماذا يدور بخلدك ؟
(صاحبتي اتجوزت علشان أجمل مني ، بعدين هي حِركة وعرفت تجيب العريس المناسب ، لكن أنا لأ ، عاملة زي الكوبة وماحدش بيطيق يبص في وشي)
لسانك ينطق بالإخلاص ولكن عقيدتك من الداخل تقول بأن أقدار الله لا دخل لله بالأمر ، بل الأمر كله متعلق بجمال الفتاة المتزوجة وذكائها الفائق الذي استطاعت به أن تُجبر شخصا ما على الزواج بها .
ولأنك اقتنعتِ بما وسوس لكِ به الشيطان فقد أصابك بالحزن والخوف والغضب ... ثُلاثي الهلاك وأقصر الطرق للطرد من رحمة الله .
ويْحُكِ ... أفي الله ورسوله وشك ؟!!!

عندما تحصل على شيء جديد وجميل فأنت تخاف أن تفقده بالحسد ، وتبدأ في تحصين نفسك بآيات الذكر الحكيم حتى لا تُحسد في هذا الشيء ، لكنك عمليا ماذا تفعل إذا رأى شخص ما هذا الشيء ؟
(تخمّس في وشه ، تكذب عليه ، تدّعي المرض ، أو تعلق خرزة زرقا)
وماذا كان ظنك في الله عندنا قرأت كلماته لتُحصن بها نفسك ؟!!!
ويحك ... أفي الله ورسوله شك ؟!!!

عندما تعمل في مكان يُقدم المحرمات أو تُفعل فيه الموبقات ، فإنك تُنكر كل هذا بلسانك ، ولكنك فعليا تخشى ترك هذا المكان لإنه يُدر عليك دخلا كبيرا لن تجده في أي مكان آخر ... وكأن أصحاب هذا المكان هم من يقومون بإطعامك ورزقك وليس الله الذي قال في كتابه الكريم : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " .
ويحك ... أفي الله ورسوله شك ؟

ختاما لهذا الجزء :

يقول الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) : لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير : تغدوا خماصا وتروح بطانا ... صححه الألباني .
خذوا بالأسباب وتوكلوا على الله حق توكله بعقيدة صحيحة ... يرزقكم كما يرزق الطير
الطيور لا تعمل في وظيفة براتب شهري ثابت ، بل تنطلق صباحا أخذا بالأسباب وتوكلا على الله ، فلا تعود إلا وقد أرسل الله إليها رزقها .

يقول الله تعالى للسيدة مريم وهي تَلد : " وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا " مريم (25) .
الله قادر على أن يُحضر إليها رزقها دون أدنى جهد منها وهي في حالة وضع ، ولكنه أمرها بأن تهزر جذع النخلة أخذا بالأسباب وتوكلا على الله .

" وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " الطلاق (3) .

هناك تعليقان (2):

يا مراكبي يقول...

بسم الله ما شاء الله

سلسلة رائعة

جزاك الله خيرا

إيمان الحسيني يقول...

جزاك الله خير الجزاء يا مراكبي
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم آمين